مصر دولة دينية ونقول أنها دينية" شياكة".
السادات منح الجماعات الدينية حق التواجد.
دولتنا تنصف الراقصات ولاعبين الكرة فقط.
الدستور بمادته الثانية يُشجع على التمييز.
شيوخ التطرف لا يهاجموا الكُتاب لوجه الله وإنما سعيًا للشهرة.
هناك تحالف أبدي بين الإستبداد الديني والسياسي.
أجرى الحوار: حكمت حنا – خاص الأقباط متحدون
نحن في دولة تنصف الراقصة واللاعب ولا تنصف المبدع حتى تتركه يموت بالسرطان والكبد ليصبح موته على نفقة الدولة... المرأة الكاتبة مرفوضة في مجتمعنا لأنها تُشكل نوع من التمرد على المجتمع.... قضاة مصر يحكموا بالمادة الثانية من الدستور لانهم جماعات دينية أو إخوان مسلمين..تصريحات ساخنة أطلقها الشاعر الكبير حلمي سالم صاحب القصيدة التي أثارت غضب شيوخ الحسبة ليتهموه فورًا بالإساءة للذات الإلهية –أسرع التهم للنهاية تلك-.
لسالم تجربة مختلفة مع هؤلاء الشيوخ أفرزت كتاب (الشعر والشيخ) والذي من خلاله قام بتعريه المُتسترين تحت عباءه الدين فاضحًا إياهم....حول تجربته تلك كان لنا هذا الحوار معه وتمتعنا بسعة صدره وإستنارته وجرأته وتلك صفات غابت عن حياتنا الأن....
* ما رأيك في مشايخ الدعاوى القضائية ضد المبدعين؟
- ليس للشيوخ علاقة بالأدب أو الفن، وقد حشروا أنفسهم للحكم على الفن والأدب في السنوات الأخيرة بسبب المساحة التي وضعها أنور السادات للجماعات الدينية منذ بدايات السبعينيات لكي يقضوا على الشيوعين والقوميين، وقد انقلب السحر على الساحر فأطاحوا به، ومن ثمَ استشروا في الحياة المصرية بكل مناحيها بعد ذلك بسبب سيادة الفتوى على القانون والانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وازدياد مساحة الفقر والفقراء مما يجعل الأرض خصبة للحل الديني السماوي الإلهي، وبسبب الاستبداد السياسي واستخدام السلطة السياسية لهم لتحقيق أغراضها السياسية في السيطرة على الشعب -أي الحلف غير المقدس بين السلطة السياسية والجماعات الدينية-، وهناك اشياء أخرى ثانوية، وهؤلاء طالبو شهرة من خلال مقاضاة الفنانين والمبدعين وأصبح نوع من البيزنس والاستثمار، والسبب قراءتهم الحرفية المتزمتة للأعمال الإبداعية الفنية قراءة حرفية متلصصة متربصة بوليسية تفند النصوص في الرواية أو المسرحية أو فيلم مما يوقع بالكاتب، وهذه قراءة غير أمينة وغير نظيفة وغير إسلامية والإسلام أوسع من ذلك.
* تقصد أنهم يتاجرون بالدين ويستغلونه في الربح المادي؟
- نعم.. والدين منهم بريء، فالإسلام أكثر سماحة من هؤلاء الشيوخ، فلم يقل احجر على الرأي الآخر أو يحث على القتل والتعدي، فهم متزمتين.
* ومن يساند المبدعين أمام تخلف الشيوخ؟
- لا توجد مساندة.. لأن كل القطاعات التي يجب أن تساندهم ضائعة، فالسلطة السياسية ليست معه لأنها نفسها تخاف من الجماعات الدينية أو تشتري نفسها وتتواطئ معهم، وأحيانًا تفعل ذلك لتتحاشى شرهم أو تتركهم لتنفيذ بعض الأهداف من
خلال التحالفات، والسلطة السياسية تستفيد من هجوم الشيوخ على الأدباء (حتى يبطلوا يطول لسانهم عليهم)، ولا مساندة من الجماهير لأنها مشحونة من الجماعات الدينية وتستغل الدين وثقافة الجمهور البسيطة لينساق ورائها لانها عقلية اندراجية تسير بسياسة القطيع، والجانب الثالث المثقفين انفسهم منقسمون في موضوع حرية الإبداع والفكر، فهناك رأيه من رأي الشيوخ ويقيد الإبداع وهناك من ينساق ورائهم تجنبًا لشرهم والقليل من يؤمن بالإبداع والدفاع عنه.
* من الممكن أن يقوم النظام بشرائهم؟
- هم أنفسهم (مُشتَرون) من الأساس.. فقطاع كبير منهم يرى نفس ما يراه الشيوخ من فكر وتقليد وهناك من يشتري نفسه وخائف لا يجرؤ على التحدث بحرية.
* لماذا يتوقف المبدع عن إبداعه بعد عملية مصادرة إبداعه الذي أثار مشكلة.. هل يخاف؟
لم يتوقف المبدعون اللذين تم مقاضتهم -على الأقل في الفترة الأخيرة- بدليل حيدر حيدر لم يتوقف نوال السعداوي ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني وأنا لم أتوقف، فقد كتبت ديوان اسمه الشعر والشيخ ردًا شعريًا على ما حدث معي، ربما في العصور السابقة حدث ذلك كما في حالة طه حسين بعد ان هاجت عليه الهائجة بخصوص كتابة الشعر في العصر الجاهلي ونشره في كتاب آخر بعنوان في الأدب الجاهلي، وعلي عبد الرازق الذي ألف الإسلام وأصول الحكم عدّل فيه بعض الأشياء، ونجيب محفوظ لم يتوقف رغم مصادرة أولاد حارتنا.
* أغلب هذه الكتابات التي تثير حفيظة الشيوخ تكون بالأسواق من قبل.. فلماذا الأزمة؟ هل هناك أهدا ف معينة؟
- هذا السؤال يوجه لهم وليس للمبدع.. ومع ذلك هناك أسباب منها أنهم غير مبدئيين أي انتهازيون، فلا يقاضوا المبدع لوجه الله والإسلام وإنما لوجه الشهرة والبيزنس، هم ناجحون خبثاء يقاضون المؤلف من له كتب صادرة عن وزارة الثقافة وليس أي جهة خاصة ليتيح لهم ضربة مزدوجة، منها يهددوا الكاتب وفرقعة إعلامية ومنها يضعوا الحكومة في موضع حرج ويهاجموها فكيف لها أن تشارك في إصدار كتاب يسيء للذات الإلهية من أموال الشعب؟! مثل كتاب نصر حامد أبو زيد الذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب ورواية وليمة لأعشاب البحر فقد صدرت من قبل سنة 1984 ودخلت مصر عن سوريا والناس قرأتها ولم يهتموا شيوخ الأزهر إلا عندما أصدرتها قصور الثقافة، ولم يقاضوني عندما نشرت قصيدة شرفة ليلى مراد إلا عندما نشرتها مجلة إبداع التابعة لوزارة الثقافة.
* إذا كان الشيوخ يعلمون أن وزارة الثقافة ستتصدى لهم.. لما يتشجعوا لإقامة هذه القضايا.. أي أن هناك ثقة ما مصدرها؟
- هناك تحالف بين السلطة السياسية والجماعات الدينية، وأحيانًا تتبنى وجهة نظرها الدينية لأنها تخاف، وأحيانا تستخدمها لخدمة أغراضها في القضاء على المعارضة والتيارات الديمقراطية، وهناك حلف أبدي بين الاستبداد السياسي
والاستبداد باسم الدين، والسلطة نفسها بها نماذج ليست أكثر استنارة من هذه الجماعات التي تتبنى الفكر السلفي، فهناك من هم أكثر تخلفًا من هذه الجماعات، في أزمة وليمة لأعشاب البحر الذي أهاج الهائجة د. أحمد عمر هاشم وقت ما كان رئيس جامعة الأزهر ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب وهو رجل دين، وأثار المظاهرات بجامعة الأزهر وكاد أن يسبب فتنة سياسية بمصر في نفس الوقت كان المجلس الأعلى للثقافة أصدر بيان يستنكر فيه ما حدث، فالسلطة لدينا خليط من التخلف والتقدم، السلفية والاستنارة، التطرف الديني والرحابة الفكرية، لذا نحن في الحضيض لا دولة دينية على طول الخط ولا دولة مدنية فنحن مزيج مشوه بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وهذا سبب الأزمة.
* هل المبدعين والكتّاب المستنيرين مثل سيد القمني وحلمي سالم وجمال البنا ونوال السعداوي وغيرهم غير قادرين على صد التيار الديني المتخلف؟
- لا يستطيع آحاد الناس أن يقفوا لصد التيار وحدهم.. فلا بد من قوة مماثلة من عمل جمعي مؤسساتي، فالشيوخ منتشرين ومتفوقين لفكرهم المؤثر يتحدثوا باسم الدين، والفكر المستنير الذي ينقذ الناس من الاندراج غير موجود بفعل السلطة، لأن وسائل الإعلام والتربية والتعليم والأوقاف تضخ أفكار دينية وتكرس الفكر المتطرف ويغرسون أفكار التمييز ضد المرأة وغير المسلم ويحثوا على كراهية الآخر والطائفية وامتلاك الحقيقة المطلقة، والدستور نفسه به هذا التمييز وهناك تأثير من الجماعات المتطرفة والسلطة السياسية بدلاً من حمايتهم منه تقوم بتكريسه وتغذيه بالتمييز، ففي المدارس الآن يجبرون الأطفال على قراءة آيات قرآنية بدلاً من النشيد الوطني، فأصبحت عقلية الناس أرضية خصبة لنمو هذه الأفكار.
* فقلت له ضاحكة.. انت أتيت بالخلاصة فلا داعي لاستكمال الأسئلة؟
- دليل على كلامي الدستور المصري نفسه في مادته الثانية أكد مبدأ التمييز عندما ينص أن مصر دولة إسلامية والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، فمنذ عام ونصف قام 200 مثقف كنت منهم بالتوقيع على بيان وقت التعديل الدستوري طالبوا فيه بتعدل المادة الثانية ولم يعبرنا أحد بل هاجمونا وشتمونا في االصحف، وبسبب هذه المادة الجماعات الدينية تعتبر نفسها أكثر دستورية وشرعية منا ومن الليبرالية، فنحن غير الشرعيين، لأنها تستند للدستور وتعتبر أول خمس مواد بالدستور مواد حاكمة ومنها يمكن من خلالها محو باقي المواد الأخرى إذا تعارضت معها.
* المبدع لا يبدي برأيه في الدين أما المشايخ فيتدخلوا في كل القضايا لماذا؟
- نحن في الأصل دولة دينية ونقول مدنية من باب الشياكة، ومنذ قرنين جاهدت لتنهض وتكون مدنية لكن هذا الوقت لم يأتي بنتيجة، نحن دولة في جوهرها دينية وفي مظهرها مدنية من دستور وجيش وبرلمان حتى مجلس الشعب نفسه -أكبر العلامات على مدنية الدولة- بؤرة التطرف الديني، حيث أهاج الأمر على وليمة أعشاب البحر وفي هجوم دائم على وزارة الثقافة وهاجم المستنيرين عندما أبدوا رأيهم في الحجاب وهاجم فارق حسني.
* وزير الثقافة الذي رفض الحجاب هو نفسه قال أنه سيحرق أي كتب إسرائيلية؟
- هذه زلة وقد واجه التطرف بتطرف آخر، فوزير الثقافة رجل مدني وفنان ومثقف وتلقى تعليمه بفرنسا لكنه داخل وزارة نصف دينية ونصف مدنية، لكنه يجب أن يتحاشى عاصفة الجماعات الدينية ومرة يواجهها وقد حدث في وليمة أعشاب البحر، الحكومة نفسها بها رجال قالوا الحجاب جزء من الدين ولدينا رئيس جمهورية زوجته لا ترتدي الحجاب ليدل على التشوه والانقسام لكل من في السلطة بدرجات مختلفة.