بقلم : مايكل مهر عزيز

الوطن أم الكنيسة ؟
حدثني صديقاً لى بعتاب لعدم  تجديد عضويتي بحزب السوسيال الديمقراط السويدي  ، فذكرت  لصديقي عن السبب  في عدم تجديد عضويتي لهذا الحزب ، وهذا السبب يرجع لعدم إرسال صوتنا إلى الحكومة السويدية التى طالبت الاتحاد الاوروبي  منذ شهرين برفع الدعم والمعونات المقدمة من الاتحاد الاوروبي لمصر ، وذلك عقاباً للحكومة المصرية لوقوفها مع رغبة الشعب المصري لرفضهم حكم الاخوان والرئيس المعزول محمد مرسي . فقال صديقي مندداً : " ولكننا منضمين إلي هذا الحزب من أجل هدف واحد وهو أن يعطينا الحزب كنيسة لنصلي بها " . جاءت نظراتي بعد سماع هذا الكلام إلي أسفل الارض ، وأبتسمت قليلا ثم نظرت إلى صديقي وقولت له  بحزم : " عفواً يا صديقي العزيز فالوطن أهم من الكنيسة، وليست الكنيسة أهم من الوطن في هذا الامر "  فرد عليٌ بحزم قائلا ً : لا تتحزلق عليٌ في حالتنا التي نحن فيها ، الكنيسة أهم من الوطن ، و أضاف : يجب  علينا أن نفعل  كل ما بوسعنا لتحقيق غايتنا وهى أن تكون لنا كنيسة ، انتهي الحوار بيني وبين صديقي لعرض وجهات النظر المختلفة في فكرة ومفهوم الكنيسة كرمز روحي وليس كمبني خدمي  .

 لا أقول ذلك الكلام عالية من أجل نيل إعجاب أحداً أو من أجل تمجيداً زائلاً ، فهذا ليس مقصدي أو هدفي ، إنما هدفي في سرد هذا الحوار هو إلقاء الضوء على واقع نعيشه ، وطريقة تفكير  أصابت البعض منا ، والذي حتى بعد هجرتنا خارج الوطن ما زال البعض منا يفكر  بنفس تلك العبارات القديمة التي كنا ومازلنا نكررها عند مطالبتنا ببناء كنيسة داخل مصر ، ومن تلك العبارات كالاتي : " عاوزين كنيسة يا ولاد الحلال " و " إحنا مضطهدين ومش عارفين نؤدي مشاعرنا الدينية " ومن أجل ذلك تنادي نزعتنا الدينية وتستجلب روح القبطي المسكين الذي بداخلنا ، والذي بدوره يفعل الغالي والنفيس من أجل أخذ قطعة ارض من الدولة أو دفع ملايين الدولارات لشراء كنيسة بالمهجر وكل ذلك من أجل أن يصلي أتباع تلك الجماعة الدينية بحرية دون إزعاج من أحد .

المثير للسخرية أنه توجد ببلاد المهجر مئات الكنائس التى تحولت مع مر الزمان إلي متاحف عامة  لعدم وجود مؤمنين بداخلها ، فمن السهل إستئجار تلك الكنائس للصلاة فيها ، وبالرغم من ذلك نري أبناء جماعتنا يتسابقون واحداً تلو الاخر في شراء الكنائس أو قطع أراضى لبناء الكنائس ، وبهذه  المناسبة أسرد لكم حديث دار بيني وبين بعض الاصدقاء ، فعندما أجتمعت مع أحد الخدام الذين يخدمون بالكنيسة السريانية ، قالي لي أحدهم متباهياً : "لقد قمنا نحن أبناء الطائفة السريانية بالسويد ببناء كاتدرائية ومقر الكنيسة بمبلغ وقدرة خمسون مليون كرونه أي ما يعادل الان أثنان وخمسون مليون جنية مصرياً  .

بالحقيقة قد تعجبت عند سماع هذا المبلغ الكبير ، وتساءلت في نفسي هل يستحق فعلا أن نقوم ببناء منشأت دينية عملاقة كهذه ؟؟ ليس هذا وحسب ولكن توجد كنائس  أخري هنا وفي كل دول المهجر يقوم ببناءها وشرائها أبناء تلك الكنائس الشرقية ، قد تتجاوز  قيمة تلك الكنائس عشرات الملايين من الدولارات ، مع انه توجد كنائس أخري في نفس تلك البلدان من السهل إستئجارها والصلاة فيها دون أن يكلف أبناء تلك الطوائف أنفسهم مادياً واقتصادياً .

وهنا يجب أن أطرح سؤالاً هام : لماذا لا تُستخدم تلك الملايين المدفوعة  على كنائس  عملاقة وإستبدالها بمشاريع اقتصادية لخدمة أبناء تلك الطوائف الذين يعانون من الفقر والمرض والبطالة ؟


رؤية خاصة وتأمل : 
إلهنا إله حكيماً وعظيم ، ودائما ً يحب أن يعلمنا حكمته ومقاصده الالهية ، لقد أمر الرب بني إسرائيل وطلب منهم بناء هيكل واحداً لعبادته ، فلم يطلب الرب من اليهود بناء هيكل في كل مدينة أو طالبهم ببناء هيكل في كل شارع  ، إنما أمر الرب ببناء هيكل واحداً ليكون مكان ليقابل الانسان فيه ربه ، كي يعترف الانسان أمام هيكل الرب عن الخطايا التي ارتكبها في حق الرب .

كان  المؤمنين قديماً يدخلون الهيكل ليذبحوا خروفاً لتقديمه كذبيحة أمام الرب ، وكانت النار الالهية تحرق تلك الذبيحة كعلامه إلهية لغفران الرب خطايا صاحب تلك الذبيحة .

إنتهي العهد القديم وبدأ الرب عهداً جديد وفكراً جديد مع الانسان ، لقد ترك الرب الهيكل الذي أصبح مكاناً للصيارفة وللباعة الجائلين وأنتقل مع رسله وخدامه البسطاء والمعدمين ، انتقل بهم في مكاناً زهيداً داخل غرفة ليست مثل عظمة الهيكل ، أو جميلة مثل كنيسة الفاتيكان ، لكنها غرفه متواضعة صغيرة تقع فوق سطح المنزل ، قدم الرب بهذه الغرفة أعظم صنع للانسان وهذا الصنع هو  سر التناول لغفران  الخطايا .

فمن غرفه صغيرة تأسس سر التناول كبديل عن سر الذبيحة الذي كان معمول به في العهد القديم فدم المسيح وجسده كان البديل عن دم الخروف .

هذا هو جوهر المسيحية في بدء إنتشارها ، وهذا الجوهر تمثل في البساطة والروحانية فلم تكن الكنيسة الأولي تهتم ببناء المعابد ولكنها كانت تهتم ببناء العابد ، فالمثل المصري يقول : بناء العابد أهم من بناء المعابد  ، ولهذا انتشرت المسيحية سريعاً في كل بقاع الأرض ، فلم نري في كنيستنا الأولي مثلما نرى الآن  بين صراع الطوائف فيما بينها لبناء الكنائس ودفع الملايين لبناء مباني حجرية يفتخر بها أبناء تلك الطوائف ، أصبحت تلك المباني الحجرية المسماه زورا ً بالكنائس سكناً للاشباح لا يدخلها إنسان إلا في المناسبات والاعياد وهذا حال بعض الكنائس اليوم .

لم يطالبنا المسيح أو الرسل والقديسين بالسعي لبناء الكنائس ولكن أوصانا الرب وقال : يا أبني أعطيني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي ، لم يكن أبائنا وأجدادنا القديسين في الكنيسة الاولي يهتمون بالمادة أو بالمكان بقدر اهتمامهم بتطبيق كلمة الله وعمل الخير أمام عينيه ، فكان للجميع قلباً وروحاً وفكراً واحداً .

نريد الان : بناء الروح قبل بناء المكان ، نريد بناء الانسان قبل بناء الجماد ، نريد بناء المحبة قبل بناء المقرات ، نريد بناء الوحدة المسيحية قبل بناء كنيسة تبلغ قيمتها الملايين من الجنيهات .

مشكلتنا الحقيقة كطوائف مسيحية هو اننا تركنا عمل الروح وإستبدلناه بعمل الانسان ، تخلينا عن مفهوم الكلمة وجوهرها وتمسكنا بحرفية الكلمة وتنفيذها  .

فمعلمنا بولس الرسول اختصر مفهوم الكنيسة بقوله  : أن كل بيت مؤمن هو في حد ذاته كنيسة وقال مخلصنا المسيح : «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ.» (متى 20:18) هذه كنيسة المسيح الحقيقية التي أسسها الرب علي هذه الارض فالصلاة والمحبة المسيحية والانسحاق الي الرب وتقديم توبة صادقة له أفضل في عيني الرب من بناء الكاتدرائيات العملاقة والكنائس الفخمة التي لا يدخلها الانسان سوي للمناسبات والسياحة .