الأقباط متحدون - المسلم بين الإيمان الحق. والتأسلم (29)
أخر تحديث ٠٢:٥٧ | الأحد ٢٩ سبتمبر ٢٠١٣ | توت ١٧٣٠ ش ١٩ | العدد ٣٢٦٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

المسلم بين الإيمان الحق. والتأسلم (29)

بقلم: د. رفعت السعيد
ولأننا أكدنا أكثر من مرة وعبر زمان طويل أن "الإرهاب يبدأ فكرا"، فقد كان من الطبيعي عندما يستخدم "حسن البنا" ضد خصومه ألفاظ التكفير والإباحية والعداء للدين ورفض الآخر، أن ينعكس ذلك عمليا في أعمال إرهابية ضد الكفار. ومن هنا تأتى مسؤولية الكلمة التي لا يتوب عنها أصحابها على عاتق صاحب الرأي أو صاحب الفتوى. ولهذا كان الخلاف الشهير داخل صفوف الجماعة عندما طالب أحد القادة [ يقال إنه د. عبد المنعم أبو الفتوح ] بضرورة نقد ما ورد في أدبيات الجماعة قديمها وحديثها من آراء متطرفة. لكن الجماعة رفضت وتمسكت بأن كل حرف نطق به حسن البنا يجب أن يبقى مصانا ومحترما وربما مقدسا.
 
وعلى أية حال تحولت كلمات البنا إلى أفعال. ولأننا لسنا بصدد التأريخ للجماعة وهو ما فعلناه من قبل فإننا نكتفى بالتوجه المتأسلم فيها والمؤدي إلى إرهاب لم يزل يهددنا حتى الآن. ألم يقل له الذين كانوا أول من بايعوه في الإسماعيلية "إنا لنشعر بالعجز عن تفهم الطريق إلى العمل كما تفهمه أنت، ولا نعرف الطريق إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف أنت، وكل ما نرغب فيه الآن هو أن نقدم لك كل ما نملكه حتى نصبح في حل من المسؤولية أمام الله، ولكي تصبح أنت مسؤولا أمامه عما يجب أن نقوم به" [ مذكرات الدعوة والداعية – صـ73].
 
وأستعيد الجملة الأخيرة لمجرد التأكيد "لكي تصبح أنت مسؤولا أمام الله عما يجب أن نقوم به"، ولسنا نقول بأكثر من ذلك فإن قادة الجماعة القدامى والجدد والجماعة ذاتها ستظل مسؤولة أمام الله عن كل فعل متأسلم، إرهابيا كان أو بذرا للفتنة أو دعوة للتشدد، كله سيظل معلقا في عنق الجماعة حتى تشهر توبتها عنه.
 
ونقارن ما قاله "البنا" ومن أتوا بعده وما فعله ويفعله رجالهم. فالذين يستخدمون آليات الخصومة الكلامية بأشد الألفاظ عنفا وبعدا عن اللياقة يتبعون قول "حسن البنا" لرجاله متحدثا عن السياسيين في عصره "ستخاصمون هؤلاء في الحكم وخارجه خصومه شديدة لدودة إن لم يستجيبوا لكم" [ النذير – العدد الأول – مايو 1938 – الافتتاحية بقلم حسن البنا ]. والتقلب في المواقف هو أيضا درس لقنه "البنا" لتلاميذه. فبعد أن هاجم "البنا" الدستور هجوما شديدا وقال "إن في ما يراه الإخوان مبهمًا غامضا يدع مجالا للتأويل والتفسير الذي يمكن من إعمال الأهواء" [رسالة المؤتمر الخامس ]. وإذ يغضب القصر الملكي من نقد الدستور يعود "البنا" متراجعا دون حذر مؤكدا أن "الدستور بروحه وأهدافه العامة لا يتناقض مع القرآن وما نحتاج إلى تعديله منه يمكن أن يعدل بالطريقة التي رسمها الدستور ذاته" [أنور الجندي – الإخوان المسلمون في ميزان الحق – صــ62].
 
ويبدو أن هذا الاعتذار لم يكن كافيا عند القصر الملكي، فعاد "حسن البنا" ليقول: "وما كان لجماعة الإخوان المسلمين أن تنكر الاحترام الواجب للدستور على اعتباره نظام الحكم المقرر في مصر، ولا أن تحاول الطعن فيه، ما كان لها أن تفعل ذلك وهي جماعة مؤمنة مخلصة تعلم أن إهاجة العامة ثورة، وأن الثورة فتنة وأن الفتنة في النار [النذير – مقال لحسن البنا – العدد 33]. وهكذا فإن ما يحدث الآن من تصرفات ومواقف وتراجعات كل ذلك معدود من أدبيات الجماعة وأسلوب تربيتها لرجالها.
 
ومن الفعل الإرهابي أيضا: الفتوى، فالمفتي الإخواني أو السلفي يطلق الفتوى كقذيفة ثم يتركها لتنفجر في عقول ونفوس جرى تجهيزها لتقبلها والخضوع لمعطياتها: ونأتي لنموذج شديد الخطر، وهو الاجتراء المتطرف على الكنائس واستسهال عمليه الهجوم عليها وإحراقها وحتى الاعتداء على الكاتدرائية التي هي الرمز المقدس للأقباط ولمصر، لنجد أن هناك فتوى ما زالت تتفاعل حتى الآن بل ويجري تداولها في الأوساط الإخوانية والسلفية. ففي مجلة "الدعوة" لسان حال جماعة الإخوان سؤال عن حكم بناء الكنائس في الإسلام، والفتوى جاءت على لسان مفتي المجلة الشيخ "عبد الله الخطيب".
 
ونقرأ فيها: "حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام على ثلاثة أوجه الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة. والثاني: ما فتحه المسلمون في البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا وهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء [لاحظ كلمة الأشياء] فيها، وبعض العلماء قال بوجوب هدم ما وجد فيها من كنائس. والثالث: ما فتح صلحًا بين المسلمين وبين سكانها والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وِبَيع على ما هي عليه وقت الفتح، ومنع إصلاح أو إعادة ما هدم منها، وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في ديار الإسلام" [الدعوة – عدد ديسمبر 1980].
 
هذا هو الفكر الإخواني، وهو ينكر حتى تعاليم الرسول الكريم بالحفاظ على كنائس وبِيَع غير المسلمين، وينكر أيضا مواقف الحكام المسلمين ابتداء من عمرو بن العاص في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وما بعده. وما يهمنا هو أن هذه الفتوى وجدت سبيلها ولم تزل حتى الآن، بل وستظل إلى أمد، لينفذها البعض ويؤكد أنه لا يجوز إحداث كنيسة في ديار الإسلام. ولست أدري من أين أتى المفتي الإخواني بهذه الفتوى ولا لأي مصدر استند، سوى مصدر العداء للمخالفين في الرأي والموقف والعقيدة. ولست أدري ما هو موقف الحكومة الإخوانية من هذه الفتوى؟ ولا ماذا سيكون مصير أي طلب يجري التقدم به من جانب البطريركية لبناء كنيسة؟ وهل لهذه الفتوى علاقة بامتناع د. "مرسي" عن زيارة البطريركية، أو لها علاقة بالاعتداء على هذا "الشيء" الذي يسمى كاتدرائية؟ وسؤال آخر، هل لهذه الفتوى علاقة بالامتناع عن إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد، وهل له علاقة بالقانون المريب الذي سبق إعداده أيام حكم المجلس العسكري، وأيام كان إعداد القوانين في أيد إخوانية أو شبه إخوانية.
 
وهو قانون وضع خصيصًا بصياغات محددة تستهدف أن يرفضه جميع المسلمين ويرفضه جميع المسيحيين. فتبقى الحال على ما هي عليه.
 
وعلى أية حال فإن انعكاسات التعليمات والأفكار والأدبيات الإخوانية وجدت تنفيذًا عمليًا لها في أفعال إرهابية تواصلت على يد الإخوان وجهازهم السري، ثم تمددت للتنفيذ على أيدي جماعات الإرهاب المتأسلم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ولعلها لم تزل قائمة في أذهان وعقول الإرهابيين المتأسلمين حتى اليوم.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter