الأقباط متحدون - الخروج من دائرتِك
أخر تحديث ٠٠:٥٣ | الأحد ٢٩ سبتمبر ٢٠١٣ | توت ١٧٣٠ ش ١٩ | العدد ٣٢٦٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الخروج من دائرتِك


 بقلم : ماجد سوس      
                                                                                
    نعيش في دائرة مركزها الأنا وهي دائرة بحجمنا نحن فقط. بمعنى أدق أننا ندور حول أنفسنا فلا نرى غيرها فهي محور اهتمامنا الدائم ننشغل بها ونكاد أن نخسر الدنيا والحياة من أجلها فإن جاعت النفس إلى الحب مثلا ولم تجده يتناسى الإنسان أحباءه وكل أوقات حبه الماضية ويتذكر شيئا واحداً أنه لم يجد الحب في الدنيا وتبدأ النفس في رحلة جراح أليمة مبنية على حقيقة زائفة أنه الوحيد في الدنيا الذي يملك الحب ولكنه لا يملك الحبيب.
 
     قس على هذا إنسانًا يشعر أنه لا يجد أحدًا طيبًا في هذه الدنيا وهذه مقولة مغلوطة يرددها الكثيرون للأسف، مبنية على ذات الداء. فهو لا ينظر إلا إلى قدميه أي إلى ذاته في لحظة الاحتياج فقط. يتناسى كل من وقف بجواره في كل حياته وتعاملات الله معه من خلال الكثيرين منهم متذكراً شيئاً واحداً أن من يدعي الطيبة هو رجل خاطئ أو امرأة خاطئه رآه مرات في ضعفه فتكون مقاييسه مبنية على أن على الآخرين أن يكونوا ملائكة، أما أنا فدعوني وشأني. ويتناسى أن من يحكم على قلوب الناس هو أول من سيُحكم عليه من خالق القلوب.
 
    الوقت مقصر يا أحبائي وعلينا الخروج من دائرة ذواتنا. علينا أن نكف عن تدليل ذواتنا. علينا أن نسكت أصوات الإدانة التي تخرج منها.علينا أن نقبل الآخرين كما هم إذا أردنا أن يقبلنا الله كما نحن. لست هنا لأقول لك أنني أفضل منك وعليك ألا تحكم عليّ، بل العكس أنا هنا لأعلن لك أنك أفضل مني وعليك أن تقبلني كما أنا وتصلي من أجلي. وهذا ما عليّ أيضاً أن أفعل معك أن أقبلك كما أنت وأصلي من أجلك. علينا أن نخرج عن أنفسنا وننظر إلى الآخرين فنشفق عليهم ونفكر في احتياجاتهم.  إن فعلنا هذا سنضمن دون شك سداد الله لإحتياجاتنا .
 
    على الزوجة أن تجعل زوجها وبيتها وأولادها محور اهتماماتها دون شكاية أو تذمر. وعليها أن تصم آذانها عن أي شخص يدفعها لفك رباط الزوجية - الذي جمعه الله - بمقولة "لا تغفري لزوجك فالقانون يقف في صفك." 
لا ياعزيزتي لا تدخلي أحدًا بينكما حتى لا يبعدك أحد عن إكليل صبرك واحتمالك  وكإبنة الملك عليكِ أن تعرفي أن كل تعب الحياة الممزوج بشكر يتحول إلى مجد أبدي وفرح لا ينتهي. فاخرجي من ذاتك وانظري إلى المجد العتيد أن يستعلن فيكِ.
 
وهذا ما على الزوج أن يفعله أيضا، فلا يفكر في امرأةٍ اُخرى، ويفضل زوجته على نفسه، كما قال الكتاب يحب امرأته كنفسه كما أحب الله الكنيسة وبذل نفسه لأجلها. يحبها دون النظر لأخطائها وإن بدا هذا صعبًا للغاية إلا أن اشتراكك مع المسيح في احتمال وستر الخاطيء سيضمن لك مجدًا يفوق مجد الملائكة. تذكر يا عزيزي ما هو حالنا لو لم يقبلنا المسيح، ككنيسة وعروس له، بسبب ضعفاتنا وأخطائنا، وذهب يبحث عن خليقة أخرى نقية بعيدة عنا. أغفر يا أخي مهما كان ضعف الزوجة ومهما كانت أخطاؤها. وتذكر أنك الوحيد في البشر الذي شبهك الكتاب في علاقتك بزوجتك بعلاقة المسيح بالكنيسة فيا مسيح الرب ابقَ مسيحا.  
 
     على الكاهن أو الراعي أن لا ينظر لضعف الناس بل يشجعهم ويترأف عليهم ويحبهم كنفسه، فهم عروس المسيح. يتفانى في إسعادهم وخدمتهم وستر ضعفاتهم. لقد أقامك الله وكيلاً لسرائره وهي نعمة ما بعدها نعمة وأعطاك سلطاناً ما بعده سلطان للحل والربط. أربط الشعب بالحب وحل مشاكل الخدمة باتضاعك كما اتضع السيد وصار غاسلاً لأرجل الناس. حِب قدر استطاعتك واتضِع قدر طاقتك فتحصد الكثير وسيعود الضال والبعيد ولن تجد مشكلة تعصى عليك يا أبي لأنك خرجت من ذاتك وسكنت في المسيح. 
 
       كثير منا يعرف تلك الحقيقة التي تبدو مُرة في أعين البعض: أن أيامنا التي تمضي بنا على الأرض من المحال أن تعود وأن العمر يتناقص في علاقة عكسية مع صحة الإنسان وعافيته وأن ما يميز إنساننا الحاضر هو تسويف العمر باطلا وتأجيل الحياة لما بعد الحياة!
     وهم وزيف يغرسه عدو الخير في نفوسنا لنبدو وكأننا فعلنا على قدر طاقتنا ما يضمن لنا التماس الله لأعذارنا فنبدو في صورة جهاد شكلي زائف، نقرأ الكتاب دون أن نحياه أو نشبع به، بل لتشبع ذواتنا بعدد الأسفار التى قرأناها. فمشكلتنا هي ذاتنا مأسورين فيها. رافضين الجهاد الحسن المبني على التحرر من قيود الذات والشفقة عليها وتهدئتها ببعض الممارسات الطقسية دون الانطلاق نحو عشرة حية مع الرب يسوع. وهي ليست كلمات نظرية بعيدة، بل كما علّمنا آباؤنا القديسون أن نربط أعمالنا بشخص المسيح. فإن كنا نقرأ الكتاب فكأن لدينا موعدًا للحديث معه. كم يكون اشتياق النفس وهي ذاهبة للقاء الحبيب، وهكذا في كل ممارساتنا الطقسية نعرف أنه موعد مع الله سنلتقي معه ونخرج من دائرة ذواتنا.
 
      لقد ضللنا وانحرفنا عن الطريق، جلسنا نتباكى على أيامنا التي ضاعت هباء، وبدلاً من أن ننتفض ونقوم من غفوتنا تركنا أنفسنا تسبح مع تيار العالم وهمومه  دون الاستماع لصوت روح الله الذي يصرخ ويئن داخلنا بإستمرار بسبب تزاحم الأصوات في آذاننا ففقدنا تمييز صوته حتى أننا قد نقبل أصواتاً زائفة تبدو وكأنها من الله وهو لم يتكلم.
    لن يتكلم الله إلا حينما نخرج من دائرة ذواتنا وندخل مخدعنا ننظر صليبه ونسكّن أنفسنا ونصغي جيداً لصوت هادئٍ يخرج من كتابه فما أحلى الخروج من دائرتنا لندور في دائرة من الحب مصدرها الحبيب.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع