الثلاثاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٣ -
٤٢:
١٠ ص +02:00 EET
مؤمن سلام
يبنى الإسلام السياسي رفضه للعلمانية على فكرة رئيسية هي أن الإسلام يختلف عن المسيحية، حيث نشأت العلمانية في مواجهة السلطة الكنسية التى سيطرت على الحياة العامة وجعلت من الملوك والأمراء مجرد تابعين لبابا روما لا يبرمون أمرا إلا بموافقته ومشورته. بينما الإسلام بحسب رؤيتهم لا يعرف السلطة الدينية ولا الكهنوت، وبالتالي فلا يوجد صدام أو تعارض بين السلطة الدينية والسلطة السياسية تستدعى فصلهما. ورغم ما تحمله هذه المقولة من مغالطات، ترتبط باشتراط أن يكون الخليفة ممن حازوا رتبة الاجتهاد في الدين، كما أن ممارسات هذه الجماعات تؤكد على أفكارهم الكهنوتية التى ترفض أي أراء مخالفة من داخل الدين نفسه بل ومن داخل نفس الفرقة الدينية وهم أهل السنة والجماعة، إلا أنها أيضا تحمل بعض الوجاهة التي تجعل الكثيرين يصدقونها ويؤمنون بفكرة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
ولعل المدقق في علاقة الدين بالدولة في التاريخ الإسلامي والخطاب المعاصر لدعاة الدولة الإسلامية سيجد أن الإشكالية الحقيقية تقبع في التعامل مع النص الديني أو ما يسمى بالنقل، وليس في علاقة مؤسسات الدولة بالمؤسسة الدينية. فالحجة الثانية التى يقيم عليها الإسلام السياسي رفضه للعلمانية وتكفير العلمانيين هو أن الإسلام دين ودولة، وأن النصوص الدينية قد احتوت على قواعد وأحكام للنظام السياسي والتي تبلورت في مصطلح الحاكمية. وبهذا فعلى من يحكم أن يخضع لهذه الحاكمية الإلهية وأن مخالفة هذه النصوص تجعل من نظام الحكم كافر، فالنقل مقدم على العقل ومن قال بغير ذلك فقد كفر. وهو ما يمكن تسميته بسلطة النص.
وعلى ذلك فإن الإشكالية الحقيقية التى يجب أن يواجهها دعاة العلمانية في مصر والدول ذات الأغلبية المسلمة هي علاقة العقل بالنقل وأيهما يقدم على الأخر، لأن حسم خيارتنا في هذه القضية هو ما سيحسم قضية فصل الدين عن الدولة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، وليست قضية فصل مؤسسات الدولة عن المؤسسة الدينية. فالإشكالية الأساسية هي أننا نتعامل مع واقع متغير ومتطور، وعصر زادت مشاكله تعقيدا مئات المرات عن مشاكل العصر الذي وجدت فيه النصوص الدينية، وأصبح علينا أن نختار حل مشاكل هذا العصر باستخدام العلم الحديث الذي قد يتعارض مع النصوص الدينية، أو الانغلاق على هذه النصوص ومحاولة حل مشاكل القرن الواحد والعشرين بآليات القرن السادس فتزداد المشاكل ويزداد التخلف. أو بكلمة واحدة، أصبح علينا أن نختار بين العقل والنقل.
يجب إعادة طرح المسألة مرة أخرى على طاولة البحث، خاصة أن هذه القضية لم تحسم قط والمكتبة الإسلامية مليئة بالكتابات التى تخوض في الجدل حول مقولات تقديم العقل على النص مقابل لا اجتهاد مع النص. فقد نجحت السلطة السياسية في قمع فكرة تقديم العقل على النقل لقرون، كطبيعة أي سلطة مستبدة تعادى العقل والفكر وتسعي لتجهيل الشعوب ليسهل قيادها، إلا أن هذه الفكرة لم تمت وظلت تظهر لها بعض الومضات من وقت لأخر إلا أنها فشلت في أن تتحول إلى تيار يواجه التيار الأصولي صاحب مقولة لا اجتهاد مع النص، وتقديم النقل على العقل.
إعادة الاعتبار للعقل مقابل النقل هو الطريق الأوضح للتقدم نحو العلمانية، من طريق فصل السلطة الدينية عن السياسية، ومن هنا يمكن إعادة تعريف العلمانية وفقا لجدلية العقل والنقل، بأنها تقديم العقل على النقل في الشئون العامة للدولة.