بقلم منير بشاى
تمر مصر فى الوقت الحاضر بمرحلة انتقالية، يتربص فيها الاعداء بهذا الوطن بغية استغلال اى ثغرة ينفذون منها ليغدروا به. لا يخدم مصالح الوطن حاليا حاكم ضعيف يحكم بأساليب الديمقراطية الناعمة. لا بد من قيام حاكم قوى يحكم بمعايير اضافية تعطى الديمقراطية أنيابا وتجعلها اكثر حزما وصرامة.
الديمقراطية ليست جديدة على مصر. فمنذ اكثر من ستة عقود وقبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 كانت مصر تعيش واحدة من أعظم الديمقراطيات التى عرفها الانسان.
ففى الوقت الذى كانت كثير من البلاد العربية، وحتى الغربية، ترزح تحت وطأة حكومات سلطوية يتصرفون كما لو انهم ظل الله على الارض، كانت مصر حينئذ يحكمها نظام ملكى برلمانى ديمقراطى يشبه النظام الانجليزى وكان الاقتصاد المصرى قويا لدرجة ان مصر كانت تقرض بريطانيا العظمى. كان الملك يملك ولا يحكم، وكان رئيس الوزراء هو الحاكم الحقيقى ويأتى للسلطة بعد فوز حزبه بالانتخاب الحرة النزيهة. كانت الحكومة تخضع للنقد من المواطنين دون ملاحقة قانونية، ومن الصحافة دون ان تجبر على غلق أبوابها، ومن اعضاء البرلمان الذين كانوا فى سلطتهم سحب الثقة واسقاط الحكومة اذا فشلت فى أدائها.
ولكن ما حدث بعد ثورة 1952 قد اصاب مصر بنكسة ديمقراطية، وسلبها من الحريات التى كانت جزءا اصيلا من حياتها، لتصبح مجرد شعارات جوفاء تذكر كديكور فى دساتيرها، ويتغنى بها المغنون فى عالم الطرب، ولكن لا وجود فعلى لها فى عالم الواقع.
عاشت مصر بعد ذلك اكثر من ستة عقود تحت سلطة الحاكم المطلق وأحيانا تحت سيطرة الحزب الواحد وتهديد النظام البوليسى الذى يتجسس على المواطنين ويزورهم فى الفجر ليأخذهم الى ما وراء الشمس. ولكن فجأة هبت رياح التغيير فيما يسمى "الربيع العربى" على المنطقة العربية التى كان يحكمها الديكتاتوريون لتتخلص الشعوب من بعض هؤلاء وليحل محلهم ديكتاتوريون جدد أشد وطأة، ولتقوم حروب دموية بين الشعوب والحكام يموت فيها مئات الآلاف وتستعمل فيها أحيانا الأسلحة المجرّمة دوليا. وبالاضافة الى هذا ظهرت نعرة التطرف الدينى التى كانت متسترة تحت السطح لتلقى بالمنطقة كلها فى دوامة من المتناقضات.
أصبح المجتمع يغلى مثل البركان، فصيل يطالب بشىء وآخر يصمم على النقيض. والمظاهرات الدموية تجرى فى كل يوم دون وجود بادرة امل على ان الزوبعة فى طريقها الى الزوال وأن الهدوء اصبح قريبا للتحقيق ومعه العودة الى المصنع والمدرسة والمتجر والعمل والانتاج الذى لا بديل عنه ان كنا نريد التغيير الفعلى للافضل.
نتيجة كل هذا اصبحت مصر تعانى من حالة تفكك فى مؤسساتها وتسيب خطير فى كل مفاصلها يهدد بانهيار جسد الامة كله.
ومن هنا كانت قناعة الكثيرين ان حكم مصر اصبح فوق مقدرة اى حاكم عادى يحكم بأساليب الديمقراطية الناعمة. وبات مؤكدا اننا نحتاج الى حاكم قوى قادر على اخراج الدولة من حالة الفوضى التى تهدد بتدميرها. طبعا، لا أحد يريد طاغية يسرق الحكم ولكن حاكم يختاره الشعب ويكلفه ويعطيه هذه السلطات ويخضع لها بارادته. حاكم يحبه الشعب ويثق فيه وهو من جانبه يحب شعبه ويحترمه ويخضع لارادته. هذا الحاكم القوى، قد يسميه البعض ديكتاتورا، ولكن هو أبعد ما يكون عن صورة الديكتاتور المستبد. فهو لا يمارس البلطجة ولكنه يقضى علي كل بلطجى، هو لا يمارس الاستبداد ولكنه يقف ضد كل مستبد. هو حاكم له هيبة، يخشاه ويرتعب منه كل من يخرج عن القانون ولكن لا يخافه المواطن الملتزم. وهو مع كل سلطاته يخضع لسلطة البرلمان الذى يستطيع وقفه ان شط. هو الذى يجمع من الصفات ما يؤهله ان يقود الأمة فى هذه الظروف الحرجة ويخرجها الى بر الأمان.
هو حاكم صالح
هذا الحاكم ليس هو انسانا شريرا يروع من يقف امام اهدافه الشخصية. وليس انسانا جشعا يسرق المال العام ليغتنى هو وحاشيته. ولكنه انسانا يخاف الله ويحب الوطن ويراعى الله فى حكمه.
وهو حاكم مستنير
هو ليس انسانا جاهلا او غشيما يجرّب فينا اساليب عقيمة ثبت فشلها، ولكنه انسان يتمتع بالعلم والخبرة والفهم مع المرونة. وهو يعرف كيف يتعامل مع المواقف الصعبة ويجيد فن ادارة الازمات، ويعرف متى يستمر ان اصاب، ومتى يتوقف اذا أخطأ ليراجع نفسه ويصحح مساره.
ثم هو حاكم وطنى
هو ليس من يعتقد انه يمتلك البلد بمن فيها ولكنه من يعتقد ان البلد تمتلكه بكل ما فيه. حاكم يجعل صالح الوطن والمواطن شغله الشاغل ولا يفرط فى شبر من أراضي الوطن أو يعرضه للخطر مهما كانت الدوافع.
ولكن وجود مثل هذا الحاكم القوى الذى جاء لتنفيذ اجندة صارمة واحكام رادعة لا يجب ان يستمر معنا الى الابد. هو اجراء مؤقت يناسب ظروف الوطن الراهنة اثناء عملية بناء مصر ووضعها فى مسارها السليم. فى هذه الأثناء يتم اعادة تدريب المواطنين للتعود على الديمقراطية لتصبح جزءا طبيعيا من شخصياتهم. وعندئذ يصبح احترام القانون هو القاعدة والخروج عنه هو الشذوذ، ويصبح اى حاكم اختاره الشعب قادرا على اداء وظيفته دون احتياج الى معايير أكثر من مجرد قوة القانون.
Mounir.bishay@sbcglobal.net