بقلم :د. وجدي ثابت غبريال

اذا ما اجتهد باحث في تأصيل مقترح أو في تمحيص مصطلح فإنهم بما يقول مستهزئون و إن ذكروا لا يذكرون . ألا يتدبرون القول ؟ ألا ساء ما يحكمون، على عقولهم أغلالها و على قلوبهم اوصادها فلم يروا في العلم نفعًا إلا قليلا و لم يروا في الفكر جهدًا إلا يسيرًا.
و إذا كانت معارف القانون الحديثة أعيت جهودهم،  فكانت لهم و للضعيف نذيرًا،آبوا أن يقلبوا صفحات الدساتير و اختلقوا ما ليس فيها  بلا معرفة و كأنها طلاسم أمام طغى ضرير غير جاد و غير بصير.
  فتردت  نظرتهم   لعلم القانون  بين المبهم  و غير المدرك  و صارت دساتير الغرب،و ما كانت لهم حاجة للاستشهاد بها و التدليل منها اللهم إلا للانتقاء  و ليس للاستقصاء.
 فإذا بالبعض يدعى بغير علم أن دستور النرويج الصادر في ١٨١٤ ابقي إلى يومنا هذا  على المادة الثانية منه  التي تنص على «أن الإنجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمي للدولة ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها».
و استهدوا بمقال الدكتور محمد عمارة الذي يقرر ذلك،و مع ذلك فأي باحث فى القانون الدستوري المقارن يعرف أن هذا بالنص لم يعد له وجود اليوم ،و ذكره و الاستشهاد به هو جهل بالتعديلات الدستورية اللاحقة لهذه المادة التي ألغيت تمامًا و أصبحت على النحو التالي : " أساس قيمنا هو التراث المسيحي و الانسانى و أن يضمن الدستور الديموقراطيه و سيادة القانون و حقوق الإنسان( انظر هذا النص في التعديلات  اللاحقة و لاسيما تعديل ١٢ مايو ٢٠١٢ المعمول به اعتبارا من ١٥ مايو) .
 فإذا كان الاستعارة من النظام الدستوري النرويجي الحالي تعني السيد سعد الازهرى إلى هذه الدرجة، فنحن نوافق على ان نلتمس في النرويج  الموعظه الحسنه طالما التمسها  الشيخ قبلنا
 و على طريقه لا تقربوا الصلاة يستشهدون بماده في الدستور الايسلندى تقول أن الدولة تحمى و ترعى الكنيسة،و لكنهم لم يشيروا أن هذا النص له بقيه مفادها  "يجوز تعديل هذا النص بقانون و أن الجميع لهم الحق في إنشاء جمعيات دينيه لممارسة دياناتهم وفقا لمعتقداتهم "  كما  قرر السيد سعد الأزهري خلال تدوينه له علي “فيس بوك” أن الدستور السويدي ينص في مادته الرابعة - و كأنه يستبشر خيرا في الرقم ليس إلا - على أنه يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص، ويجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي.
والحقيقة مع الأسف أن الرابعة لا تسعف و لا تفنى من جوع :  فالمادة الرابعة من الفصل الأول تتكلم عن البرلمان كممثل للامه و عن اختصاصاته في التشريع و الرقابه ، بينما تتناول المادة الرابعة من الفصل الثاني إلغاء عقوبة الإعدام و تتعلق المادة الرابعة من الفصل الثالث بدعوة الحكومة للبرلمان للانعقاد و تنظيم الانتخابات. أما المادة الرابعة من الفصل الرابع الخاص برئيس الدوله فتشترط أن يختار البرلمان رئيس الدولة و هو و لي العهد على عرش ملك السويد و لا يوجد اى شرط أخر ، و لا يوجد اى نص في هذا الدستور يحمل هذا المعنى المذكور.
 أما عن الدستور الأسباني في مادته التاسعة فبالنسبة للبعض انه ينص على أن يكون رأس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية، و أن (المادة 6) منه تنص على و اجب الدولة رسميًا فى حماية و اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها. و لكن ايضا الهراء  غير صحيح أيضا لان المادة السادسة من الدستور الاسبانى تتناول فقط مبدأ التعددية السياسية و حرية المشاركة السياسية و لا تتعلق البتة بهذه الخزعبلات المذكورة عن واجب الدولة فى حماية المذهب الكاثوليكي !
 كما ورد فى تصريحات السيد سعد الازهرى و يسعدنا ان نتناقش اين وجد هذه النصوص !!!اما المادة التاسعة من ذات الدستور  فتتناول مبدأ عكسيا تماما لما قرره سعد الازهرى حيث تنص على خضوع السلطات العامة للدستور و واجبها في تحقيق الحرية و المساواة بين المواطنين و واجب الدولة في عدم تدعيم و عدم الانحياز لحقوق فردية دون أخرى.
 
 واستكمل مقررًا و هو في ذلك ينحو نحو الدكتور سعد عمارة في مقاله منشورة منذ عامين حيث تفصل نصوصا عن حماية الدستور للمذهب الأرثوذكسي لا وجود لها في الدستور اليوناني و لا ندرى لماذا اختلقوها  و من الامثله الدالة هل ما قيل عن غير حق أن (المادة 47 من الدستور تنص كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.
 و هنا يجب ان نعرف أن المادة ٤٧ لا تتعلق بهذا الموضوع قط و لا توجد نصوص فى الدستور بهذا المعنى المنسوب للمادة ٤٧ التي تتعلق بانعقاده البرلمان بقوه القانون فى دورة انعقاد غير عادية. كما أن كافة الأحكام التفصيلية المنسوبة باطلا لدستور اليونان-  و التى وردت بمقال قديم للدكتور عمارة بعنوان الدين و الدستور - لا وجود لها فى الدستور اليوناني. 
  أما المادة الأولى منه فتنص على أن الديانة السائدة هى الارثوذكسيه وهو تقرير لواقع ليس إلا . و تضيف ذات المادة أن كل ديانة أخرى مسموح به و تمارس شعائرها تحت حماية القانون و هو ما نسي الشيخ الجهبذ ذكره .
 و ما يجهله العالم الكبير عضو التأسيسية هو أن اليونان أوقفت تطبيق هذه النصوص النص بعد إدانتها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضيه Kokkinakis ضد اليونان رقم 14307/88 الصادر فيها الحكم بتاريخ ٢٥ مايو ١٩٩٣ و التى اعتبرت فيها المحكمة أن تلك النصوص تشكل تهديدا لحرية الاعتقاد و التعبير عنه إما عن دستور الدانمرك (المادة1 بند5) فانه من الصحيح  أن يكون الملك من أتباع الكنيسة الإنجيلية اللوثرية، و أن (المادة1 بند3): تنص فعلا على ان الكنيسة اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدانمرك، ولكن ذلك من خصائص النظام الملكي الذى ينحدر فيه الملك من عائلة معينه تمثل غالبية الشعب فى الديانة. فهل يريد بمصر العودة إلى النظام الملكي ؟ في النظم الجمهورية لا عائله و لا طبقه و لا فئة تحكم على سبيل الاحتكار هذا هو جوهر النظام الجمهوري.
اما عن دستور كوستاريكا الذى يؤكد بالفعل ان دين الدوله هو الكاثوليكيه فانه قد نص فى ذات الوقت على الحرية الكاملة في العقيده ووجوب دعم حرية الاعتقاد فى الواقع و لا يجوز أن يتقلد الوظائف العليا فى الدولة شخصيات دينيه و تقوم وزارة التعليم بدعم المدارس الكاثوليكية و غير الكاثوليكية على حد سواء،و في جميع الاحوال فليس في كافه الامثله السابقة على عدتها - مما ذكر الدكتور عمارة فى مقاله او السيد سعد الازهرى في تدوينته  -اى نص يجعل من الدين مصدرا رئيسيا او حتى احتياطيا لتشريع هذه الدول الاجنبيه. 
أهذا وهم ام ضلاله ام كلاهما معا؟
و لا ادرى لماذا يولون وجوههم شطر الغرب بصفه مستمرة ثم يخرجون منه النصوص الانتقائية فلا يذكرون آبدا أن فرنسا تعدل دستورها إذا كان مخالف لمعاهده دوليه (انظر المادتين  ٥٤ و ٥٥ )  و لا ان هولندا وفقا لدستورها الحالي تجعل من القواعد الدولية و المعاهدات قيمه فوق دستوريه.
و مع ذلك فليس ذلك هو ما أريده لمصر لا للتقليد الأعمى و لا للنهج القياسي  الفاسد . و قد أثبتنا انه كان قياسا فاسدا لعدم اتحاد العلة أو لخصوصية الحالات المقاس عليها أو لعدم وجود قاعدة أصلا يقاس عليها فيما ادعوه
و الله المستعان على التحليل الفج و الفكر السطحي و التعصب الأعمى
"استاذ بكلية الحقوق - جامعة لاروشيل- فرنسا "