د/ صفوت روبيل بسطا
الخميس 15-8-2013 ... ثاني يوم بعد فض الاعتصام
وصلنا برعاية وعناية إلهية بالسلامة إلي " أسيوط " السابعة والربع مساءاً ، وكانت قد بدأت ساعات حظر التجوال ، وبالفعل قد تم إيقافنا وتفتيشنا مع أول كمين أمني وأظهرت لهم الباسبور وتذكرة السفر ، وشكرتهم علي مجهوداتهم وتمنيت لهم التوفيق في مهمتهم الشريفة
كان أول شيء فعلته قبل أن أذهب إلي أسرتي ومنزلي أنني وأخوة زوجتي وبسيارتهم الخاصة تحركنا في أغلب شوارع " أسيوط " لأشاهد علي الطبيعة أثار العدوان الغاشم من الإرهابيين والذي كان قد حدث بالأمس فقط 14 أغسطس
هالني مشاهد الخراب والدمار التي خلفها الإرهابيين من سيارات محترقة في كل مكان ، وأثار النهب والسلب ثم الحرق لمحلات وممتلكات الأقباط فقط !! منها كمثال وليس الحصر ...دار للكتاب المقدس وصيدليات ومحلات كثيرة جداً وكنيسة مار جرجس بأسيوط وسور كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط ، والذي شد انتباهي أيضاً الشعارات الكثيرة جداً العدائية و التطاولية خاصة علي الأقباط والمنتشرة علي كل الحوائط وخاصة علي جدران الكنائس والمحلات القبطية !!!
وهالني بالأكثر شوارع أسيوط المظلمة والخالية من المارة والتي في مثل هذا التوقيت كانت تعج بالحركة والأنوار والمحلات التجارية والتي كانت تستمر حتي الساعات الأولي من الصباح ، فإذا بها خاوية تتحدث في صمت !! وتُشير بأصابع الاتهام إلي المجرمين الإرهابيين المتسببين في هذا الخراب وهذا الدمار وقطع أرزاق البشر ليس إلا لأن الناس رفضتهم ورفضت حكمهم !!؟؟
الجمعة 16-8 ...أول جمعة بعد فض الاعتصام
نزلت صباحاً لشراء الجرائد وإلقاء نظرة أخري علي الوضع العام للبلد قبل قليل من صلاة الجمعة ، وما هو متوقع بعد الصلاة !!؟؟
وبالفعل بعد صلاة الجمعة بقليل رأينا الآلاف يخرجون في كل شوارع أسيوط في مسيرات وفي أكثر من مكان في كل شوارع أسيوط ، وحرصت علي أن أقف في شرفة منزلي وأصور بالفيديو أحد هذه المسيرات الكبيرة وكانت أغلب الشعارات هي التأكيد علي أن ما حدث هو ...إنقلاب!!... وكانوا ينشدون أغنية (يبقي إيه ...إنقلاب إنقلاب) والذي لم يعجبني هو عدم رؤيتي لأي تأمين لهذه المسيرات وعدم الحرص من الأمن من إندلاع أي أعمال بلطجة أو عنف متوقعة !!؟؟
حظر التجوال والقلق اليومي والليلي!!؟؟
علي مدار أسبوعين هي كل المدة التي أمضيتها في أسيوط وبالتالي في مصر ، كنت أحس أن اليوم ينتهي سريعاً !! فمنذ الصباح تجد الشوارع ممتلئ من البشر مع تكدس وزحام شديد طوال اليوم في كل مكان ، ولذلك للأسف لم أستطع أن أنجز أي مهام خاصة بي ، ومن الساعة السادسة والنصف تجد الكل يجري في الشوارع ، والمحلات تغلق أبوابها للحاق والرجوع إلي المنازل قبل السابعة وقت بدء ساعات الحظر ، وبعد السابعة مساءاً تتحول البلد والشوارع وكأنها ساكنة للأشباح ، الشوارع خالية وبعض منها مظلمة !! ،وأغلب السكان يغلقون منازلهم بحرص شديد جداً ، وبين الحين والأخر نسمع طلقات رصاص لا نعلم من أين مصدرها !؟ أو مًن الذي يطلقها !؟؟ ولساعات متأخرة من الليل ... في حالة جديدة علينا جداً وبالأخص علي أبنائي الذين ولدوا وعاشوا كل حياتهم في أوروبا وغير متعودين علي مثل هذا الجو المُقلق والمُخيف !! ، وكان أصعب شيئ علي نفسي هي هذه الكلمات التي أسمعها من إبني الصغير في هذه الأجواء وهو يقول لي ...أمتي نمشي يا بابا من هنا !!؟؟ والتي كانت هذه الكلمات من أصعب المواقف التي أقف أمامها حائراً وأنا أحاول أن أزرع روح الاطمئنان إلي نفس إبني الأصغر وكل أبنائي ، وأن هذا الذي يحدث الأن لهو من أجمل فترات مصر ،لأنها أيام تاريخية وهي تتخلص من أخطر كابوس مر عليها في كل تاريخها ، وأنهم لن ينسوا أبداً هذه الأيام التاريخية ، وأنا الذي دائماً ما أحب أن أغرس في نفوس أبنائي محبتهم لمصر وبلدنا الأصلي حتي لا يبتعدوا نفسياً ووجدانياً عن بلدنا الغالي مصر
أراء ومواقف من أسيوط
كنت حريص دائماً في أي مكان أتواجد فيه أن أسأل عن أراء و إنطباعات الناس علي ما حدث وما يحدث بالبلد ، وخاصة رأيهم في ما قام به البطل والأسد المصري ...الفريق أول / عبد الفتاح السيسي.... واستجابته للمطلب الشعبي وتخليص البلد من حكم الأخوان
لاحظت إختلاف الأراء حسب درجة التعليم والوعي ، ولاحظت تأثر الكثيرين للأسف بالفكر الإخواني وأن هذا الفكر والتطرف قد توغل كثيراً في عقول هؤلاء وخاصة الطبقات الأقل علماً ودراية والتي تُمثل نسبة كبيرة بالبلد ولا يجب الإستهانه بها
الأسطي حسن ... سائق التاكسي
ويظهر هذا الفكر جلياً (كمثال) عندما أكون أنا وزوجتي سواء في المصالح الحكومية أو حتي الخاصة ، ولأن زوجتي غير محجبة لذلك علي الفور يظهر الفرق في التعامل معنا ، ويظهر هذا الفكر بوضوح مع طبقات أمثال سائقي التاكسي ، وعند توجهي بنفس السؤال السابق لمثل هؤلاء لاحظت أن الأغلبية تأثرت كثيراً بالفكر الأخواني ، وأول كلمة يقولونها (مرسي عشرة علي عشرة) !! ما فيش زيه !! لم يأخذ فرصة !! ...وهذا ما أكده لي "الأسطي حسن" سائق التاكسي ذو الأربعين عاماً والذي كان يلبس الجلباب الأبيض (من غير لحية) ، والغريب أنني لاحظت أنه يسوق التاكسي "حافيا" !! الأسطي حسن هذا كان أكبر مثال لهذه العقلية البسيطة ولكن كان متأثر جداً بالفكر الأخواني !!
وعندما سألت الأسطي حسن عن رأيه ...أخذ يدافع عن "مرسي" فقط بكل قوة بنفس الأسطوانة السابقة !! ، وكان كل شوية يحلف "بستنا مريم " و"المسيح الحي" وأنه تربي 25 سنة عند أسرة مسيحية ، وعندما سألته عن ...لماذا تم حرق كنائس ومحلات الأقباط فقط !!؟؟ نظر إليً عاتباً علي السؤال ..وقال .. أنا كدة أزعل منك يا بيه !! قلت له ..ليه يا عم حسن ؟؟ قال ... هما الجنود ال 25 اللي إتقتلوا في رفح كانوا أقباط !!؟؟ قلت له ...كان بينهم واحد قبطي فقط ... فقال ... يبقي الإرهابيين لا يفرقوا .... قلت له ... يا عم حسن ما هو الأخوان يعتقدون أن مشكلتهم مع الجيش والشرطة ويريدون الانتقام منهم لأنهم أزاحوهم عن الحكم !! ...وإن كان إعتقاد خاطئ لأن الشعب هو الذي رفضهم وأسقطهم والجيش والشرطة نفذوا فقط رغبة الشعب المصري العظيم الذي خرج في 30 يونيو ، ومع ذلك يوجد سبب لديهم للانتقام منهم علي حسب اعتقادهم ... ولكن الأقباط عملوا لهم إيه !!؟؟؟ ولماذا دائماً ما يضعون الأقباط في مخططهم الشيطاني !!؟؟...ولم يعرف يرد عم حسن !! ، وبالرغم من ذلك كان واضح أنه رجل طيب جداً وكان صوته عالي جداً والذي سبب لي الصداع ، ولكن للأسف الفكر الإخواني كان مسيطر عليه جداً !! ، ولأنني أعلم جيداً مثل هذه العقليات وصعوبة التفاهم معها أو إقناعها !! ، لذلك كنت حريص جداً في نقاشي معهم ، ومع ذلك كنت سأتعرض لمشاكل كثيرة مع البعض لأنني حاولت أن أفهمهم ما حدث بالضبط ، وما يحدث وهم لا يعقلون ولا يفهمون شيئاً
ولكن... عندما سألت أستاذ جامعة في كلية الطب عن السيسي قال بالحرف ... راجل إبن راجل ولم تجيب مثله ولادة
بائع " عصير القصب" الإخواني !!؟؟
تحققت أمنيتنا أنا وأسرتي وقمنا بزيارة دير العذراء العامر بجبل أسيوط (دير درنكة) والذي كان مغلق للأسف في هذه الأيام المباركة من صوم العذراء والنهضة المقدسة بوجود وببركة القديس القوي وشيخ المطارنة نيافة الحبر والمطران الجليل / الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ، وبالرغم من ذلك وعن طريق أحد الأباء بالدير سمح لنا بالدخول وتباركنا بزيارة الدير و"دورة " العذراء بجبل أسيوط
ونحن راجعين مع بدء حظر التجوال توقفنا أمام محل عصير قصب نظراً لحرارة الجو والعطش الشديد .. سألت صاحب المحل ...حسابك كام ؟ قال ...عشرة جنيه ...وأنا أعطيه الفلوس قلت له باسماً ومشاكساً (كعادتي )...عشرة جنيه مرة واحدة يا مفتري !!؟؟
فرد بإستفزاز مقصود وواضح قائلاً .... هو أنا مفتري زي السيسي !!؟؟ ....فأنا سألته مستغرباً ...السيسي مفتري !!؟؟ .... فقال لي متحدياً ..... مفتري وخائن !!!!!!!؟؟ .... بصراحة لم أتحمل إستفزازه ونظرت إليه غاضباً وركزت علي أسنانه السوداء !! وضحكته الصفراء ووجهه المتلون !! وقلت له متحدياً وغاضباً .... بقي السيسي هو المفتري والخائن !! ؟؟ يا إخوانجي يا ....... وأكملت ...لو أعرف أنك إخواني وبهذه العقلية ال... أنا لا يمكن كنت دخلت محلك !!؟؟ وإنصرفت غاضباً .... لم أكد أدخل السيارة وأنا أنظر للمحل إلا وأجد خمسة أشخاص من داخل المحل (ولا أعلم من أين خرجوا)!!؟؟ يشاورون عليً وعلي السيارة ويستعدون للتوجه إالينا ، فأنا بسرعة طلبت من السائق التحرك بسرعة للخلف للبعد عنهم ومنعاً لأي مشاكل معهم وخاصة كانت معي أسرتي وأطفال بالسيارة !!!!!
إنطباعي العام عن رأي الناس والشارع الأسيوطي خاصة أقول ... أنه للأسف الفكر الأخواني كان قد بدأ بالفعل يتغلغل في عقول وأفكار الكثيرين وخاصة من الطبقات الجاهلة والأقل علماً والتي لا تجد توعية كافية سواء من الأزهر أو من الدولة ، لأن هذه الطبقات هي الوقود الذي يستخدمه الأرهابيين والمتعصبين والأخوان في إشعال الفتن والأزمات في البلد ، فإذا ما إستطعنا أن نجد حل لتوعية هذه الطبقات والأهم إقتلاع هذا الفكر الأخواني والمتطرف!! فأعتقد أننا نكون وضعنا أيدينا علي أول الطريق السليم لعودة مصر إلي سابق عهدها بالأهتمام بكل المواطنين وخاصة المحتاجين لهذا الأهتمام من هذه الطبقات المضحوك عليها
ولكن وبالرغم من ذلك وبعد ثورة 30 يونيو ومع صلابة الشعب المصري الأسطورة ، الذي أبهر العالم ودخل موسوعة جينس العالمية ، وأثبت أنه الشعب الذي لا يُقهر وأستطاع أن يقوم بأقوي الثورات في العالم وفي فترة زمنية قصيرة
لذلك ... الخير قادم والأمل كبير للاستقرار يا مصر يا بلدي
الخميس 29 -8... تاريخ السفر من مصر
وهكذا أمضيت حوالي 15 يوماً في بلدي الغالي مصر في أصعب فترات مرت علي بلدنا الغالي وهي تحارب الإرهاب وكان شعارها ومازال
Egypt -fighting terrorism
ورجعنا بالسلامة من مصر مقدماً كل الشكر لألهي الحنون الذي دبر كل أمور حياتنا لحظة بلحظة ، والأهم شاكراً وساجداً له في كل لحظة علي إنقاذه لبلدنا الغالي مصر من براثن الإرهاب والإرهابيين في معجزة سماوية غير مسبوقة وغير محدودة بلا أدني شك ، وأنا في قلبي وفي عقلي أمال وأحلام كثيرة جداً علي أن تكون زيارتي القادمة لمصر أن تكون قد تعافت وتطهرت كُليتاً من كل أثار هذا الفكر المتطرف والغريب علي كل المصريين ، وتعود مصر لكل المصريين