بقلم : مؤمن سلام
في سبتمبر عام 1965، وبعد كشف التنظيم الإرهابي للإخوان المسلمين بزعامة سيد قطب، داهمت قوات مشتركة من الشرطة والجيش كرداسة بعد أن تحولت لبؤرة إرهابية للإخوان. واليوم وبعد 48 عام يتكرر نفس المشهد بكل تفاصيله مرة أخرى. فلماذا بعد 48 سنة مازلنا نتعرض لنفس التطرف ونفس الإرهاب؟
الإجابة ببساطة أن الحل الأمني وحدة لا يكفي كما كان يقول ومازال وسيظل يقول مثقفو ومفكرو مصر. نعيد ونزيد دائما أن الأفكار لها أجنحة، ولا يمكن مواجهة الفكر إلا بالفكر. وهذا لا يعنى بالطبع استبعاد الحل الأمني، ولكن الحل الأمني هو لمن يحمل السلاح، أما الفكر فهو للقضاء على الفكر الذي يؤدي لحمل السلاح وإرهاب المجتمع.
بعد 80 سنة من ظهور إرهاب جماعات الإسلام السياسي مازلنا ندور في نفس الدائرة المفرغة، جماعات إسلامية تمارس الإرهاب فتتعرض لضربة أمنية فتختفي، ثم تظهر مرة أخرى رافعة شعار السلمية حتى تتغلغل في جسم المجتمع فتشعر بالقوة فتحاول القفز على السلطة بالقوة والإرهاب فتفشل، وتتعرض لضربة أمنية أخرى، وهكذا دواليك. ولا ندرى لماذا لا تريد الدولة كسر هذه الحلقة؟ فهناك من يرى أنها بالفعل تستفيد من وجود الإسلام السياسي في الساحة، والبعض يراها عاجزة لا تدرى ماذا تفعل كجزء من أزمة الإدارة في مصر، وأخيرا هناك من يؤمن أنها تخشي من الفكر والثقافة والتنمية فقيادة شعب جاهل، فقير، مريض هو بالتأكيد أسهل من قيادة أمة متعلمة تتمتع بمستوى من الرفاهية يسمح لها بالمشاركة في الحياة العامة، وتتمتع بالصحة ما يجعلها قادرة على العمل والإنجاز، على طريقة جوزيف جوبلز وزير إعلام هتلر "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي".
مشكلة التطرف والإرهاب الإسلامجي لن تنتهي في مصر وربما يعد خمسين سنة أخرى من الآن، قد تقتحم قوات مشتركة من الجيش والشرطة كرداسة مرة أخرى. نعم قد يتكرر كل ما نراه مرة أخرى كما تكرر في مصر منذ أربعينات القرن العشرين، ما لم يقرر أهل السياسة، حكومة ومعارضة، اقتحام العقول بالفكر والثقافة كما يقتحمون البؤر الإرهابية بالسلاح، وإصلاح مناهجنا التعليمية الرديئة. والإقدام بخطى ثابتة وأيدي قوية على تأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة دون خوف من تكفير أو تفسيق أو دعاية سوداء من الجماعات المتطرفة. لابد من عملية تنموية شاملة ترفع من مستوى رفاهية الإنسان المصري، لا تجعله أسير الجمعيات الخيرية ولا الرشاوى الانتخابية، فتكفل للمصريين جميعا تعليم متطور ورعاية صحية متقدمة وحد أدنى من الدخل يضمن الحياة الكريمة في السكن والطعام والشراب.
إذا لم تشارك وزارات التربية والتعليم، والإعلام، والثقافة، والأوقاف في مواجهة الإرهاب والتطرف، وإن لم يبدأ أهل السياسة في التأسيس لدولة ديمقراطية حديثة، وإن لم يعمل أهل الاقتصاد على خطة تنموية شاملة ترفع من مستوى معيشة الإنسان المصري، فتوقعوا عودة الإرهاب والتطرف بعد القضاء عليه الآن.