الأقباط متحدون - سلمى وليلى
أخر تحديث ٢٢:١٨ | الثلاثاء ١٧ سبتمبر ٢٠١٣ | توت ١٧٣٠ ش ٧ | العدد ٣٢٥٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

سلمى وليلى


بقلم: مريم حنا
كلما رأى الناس أن حالتهم العمومية أصبحت على غير ما يحبون ظنوا أن العيب في النظام لا في الرجال, وفكروا في وضع قوانين جديدة للسياسة والإدارة والقضاء آملين أن يجدوا الإصلاح الكبير, مثلهم كساكن بيت ضعضعت جسمه الرطوبة فأراد أن يتخلص منها فغير آثاث البيت ورتبه على غير الشكل الأول... تعب ضائع!!!.
 
في أول أكتوبر من سنة 1958م نشىرت مجلة (أخر ساعة) تحقيقًا صحفيًا مصورًا عنوانه (الصعايدة يبنون جامعاتهم بأيديهم!), تحدثت المجلة عن طلبة كلية الهندسة جامعة أسيوط وكيف أنهم تعاونوا في بناء قاعات المحاضرات. فقد حدث أن المقاول المكلف بأعمال البناء قد اعتذر لإدارة الجامعة عن أنه لن يستطيع الانتهاء من أعمال البناء في الميعاد المحدد نظرًا لانصراف أغلب العمال إلى جمع القطن وجني المحاصيل الزراعية, وهو الموقف الذي اضطر معه الدكتور سليمان حزين – مدير جامعة أسيوط أنذاك – إلى الإعلان عن أن الدراسة بكلية الهندسة سوف تتأجل بعض الوقت.
 
ولكن اتحاد طلبة هندسة أصدر دعوة للطلبة القدامى والجدد لأن يحضروا الكلية ويشاركوا في هذا العمل, وبالفعل تألفت لجنة من الطلبة مرت على الطلاب في منازلهم ووجهت الدعوة إليهم, وفي صبيحة اليوم التالي للدعوة كان هناك 250 طالبًا على أبواب الجامعة, حيث قام الطلبة بدور العمال والفعلة. لقد حملوا الأخشاب ومواد البناء من رمل وأسمنت وطوب وجير.. بعضهم رفض تناول الطعام. وبعضهم كان يأكل بأيد ويعمل باليد الأخرى... وجميعهم رفضوا الحصول على أجر, لقد كانت هذه أول مرة يشترك فيها طلبة في تأسيس جامعة.
 
وإذا كنا بصدد الحديث عن التغيير والتنمية فلابد وأن نعترف أن المرأة أيضًا صناعة إلهية ولا تقل أهمية عن الرجل, فالمرأة والرجل مساواة في القيمة وليس في الدور, إن عدم المساواة بين المرأة والرجل يعوق التنمية في المجتمع, فالمساواة هي أن يحصل كل فرد كان رجلاً أو إمرأة على الفرصة كاملة لكي يظهر أحسن ما عنده وينمي قدرته إلى أقصى مدى لخير ومصلحة الجميع وأن فرص النمو الذاتي والعطاء ينبغي أن تكون متاحة للجميع دون تمييز وأن تكون المنافسة على أساس القدرات والمواهب والاستعداد والاجتهاد.
 
أريد أن أهمس في أذن كل إمرأة في المجتمع سواء الريفية أو الحضرية وأقول لها رسالة "إخلعي ثوب التدني من داخلك فانت صناعة إلهية لا تقل قيمة أو أهمية عن الرجل فقط عليك استغلال مواهبك والإيمان بقدراتك وسوف تحظي باحترام كافة أطياف المجتمع".
 
لابد وأن يكون التعليم أيضًا سببًا في نشر ثقافة الحب والإعداد للمواطنة بأبعادها الثلاثة: البعد الأول وهو البعد الوجداني والذي يعني الانتماء للوطن والاستعداد للبذل والتضحية, والبعد الثاني هو البعد المعرفي بمعنى تكوين معارف عن الوطن ونظامه السياسي وآليات عمله ومؤسساته والدستور والقانون الذى يحكمها والأحزاب السياسية. واتجاهاتها وصحفها وقادتها وحقوق المواطنين وواجباتهم وأما البعد الثالث فهو البعد السلوكي ويعني الاستعداد لبذل الجهد والتفاعل الإيجابي مع القضايا الوطنية كالفقر والأمية والتلوث وحاجات المهمشين والمشاركة السياسية.
 
ولابد وأن تذخر المقررات والمناهج الدراسية بالعديد من مظاهر المساواة وقبول الآخر بين المسيحيين والمسلمين وبين الرجل والمرأة وبين المختلفين اقتصاديًا واجتماعيًا من أبناء الوطن. إن الجهل بالآخر يشكل مناخًا ملائمًا لنشر العداء وقبول كل خرافة. فالإنسان عدو ما يجهل كما هو معروف لنا جميعًا.
 
تحضرني الآن قصة «سلمى وليلى» حول صديقتين فى المدرسة تتشاركان فى هوايات واهتمامات مختلفة، لكن «سلمى» تفضل فطيرة زبدة الفول السودانى والمربى، الشائع والمرغوب لدى أطفال أمريكا، بينما تفضل «ليلى» فطيرة الحمص العربى، لذلك تجدان الفرق فى غدائهما غريبا وغير مستحب. وتطرح القصة سؤالا: هل يمكن أن يؤثر الأكل على صداقتهما؟.. الإجابة كانت بنعم، إذ فجأة بدأت معركة الطعام. لكن بعد هذه المعركة فهمت سلمى وليلى معنى التسامح وقبول الآخر من خلال الساندويتشات، فالتفاصيل الصغيرة قد تفرّق بين الناس، لكن الصداقة، حسب القصة أقوى من أى اختلاف. وتبلغ القصة ذروتها بتبادل الساندويتشات بين تلاميذ مدرسة سلمى وليلى، فى إشارة مهمة إلى معرفة الآخر وفهمه وتفهمه والتعايش معه.
 
وعن هذه قالت الملكة رانيا: عندما كنت فى الحضانة، اعتادت أمى إرسالى كل صباح ومعى شطيرة حمص فى صندوق غذائى. وفى أحد الأيام، رأيت صديقتى وهى تفتح صندوق غذائها وتقضم شطيرة زبدة الفول السودانى بالمربى، وفكرت: يا له من شىء مقزز! لم أر فى حياتى طعاما بمثل هذه الغرابة. عرضت على أن أجربه، ولأننى لم أرغب فى إيذاء مشاعرها، استجمعت شجاعتى وتذوقته. ولقد كانت الشطيرة لذيذة جدا. وتعلمت يومها درسا نتج عنه هذه القصة.
 
وأضافت الملكة أنه من السهل جدا أن نتوصل إلى استنتاجات سريعة عندما نتعرض لشىء جديد أو غريب. ولكننا لو أعطينا أنفسنا الفرصة لنتعرف على بعضنا بعضا، وتخلينا أنفسنا مكان الشخص الآخر، واستمعنا إلى وجهة النظر المختلفة، سنتعلم أشياء رائعة عن الآخر وعن أنفسنا أيضا.
فما أجمل أن نذكر هنا القول المأثور لابن عربي:
 
لقد كان قلبي قبل اليوم منكرًا من لم يكن دينه إلى ديني داني
فصار قلبي قابلاً كل صوره
فمرعى لغزلان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة وإنجيل وقرأن.
أدين بدين الحب أني توجهت ركابه فالحب ديني وإيماني.
 
والآن جاء السؤال للإعلاميين:
أين ذهب الحب؟
هل يساهم الإعلام في تدعيم ثقافة الحب بين الناس؟ أم أنه يبعد عن تحقيق تلك القيمة الإنسانية الراقية وغيرها من القيم المرتبطة بها مثل التعاون وقبول الآخر؟!
 
إن الإعلام هو جزء من المجتمع الذى تربي على عدم قبول الآخر فلابد من التغيير والتغيير يحتاج إلى إرادة سياسية وثورة في التعليم فإذا تعلم جيدًا سيعمل جيدًا وبالتالي تحب صح وتعمل صح, تحترم المرأة والقيم في آن واحد وتراعي ربنا بالحق في الوقت ذاته توقف المتاجرة بالدين فنحن مجتمع متنوع ومتعدد في الاتجاهات والأحزاب والأديان ومتعدد في المستويات الاجتماعية (فقراء وأغنياء) متعلمين وأميون.
فأين أنتم أيها الإعلاميون!!!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter