بقلم :د/ صفوت روبيل بسطا
الأربعاء 14 أغسطس 2013
كان يوم سفري إلي بلدي الغالي "مصر" بعد أكثر من سنتين علي أخر زيارة سريعة جداً قمت بها في شهر يوليو 2011
إستيقظت صباح هذا اليوم (ككل المصريين ) علي أخبار فض إعتصامات ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة
وكانت كل الأخبار تؤكد علي تدهور الأوضاع جداً بعد عملية الفض الناجحة وبأقل الخسائر كما وعدت أجهزة الأمن المصرية ، وشاهدت علي الفضائيات إشتعال أعمال إرهابية شديدة في كل مكان في مصر ، وخروج الأرهابيين في كل المحافظات في خطة محكمة وضح أنه كانت متفق عليها ومخطط لها ، وكانت قناة (الجزيرة) الشيطانة !! لها الدور الأكبر في إشعال الأحداث وأنا أراها تكتب علي شاشتها (الواحدة ظهراً)... أكثر من 2000 قتيل و5ألاف مصاب من معتصمي رابعة والنهضةَ!!??..
بالأضافة إلي حرائق في الكنائس في كل محافظة وخاصة محافظة المنيا ،،، وحرائق هنا وهناك وتفجيرات وإعتدائات وتخيلت وكأن القيامة قامت في مصر
وكان من المستحيل تأجيل السفر لأن أسرتي الصغيرة كانت قد سبق وسافرت قبلي إلي مصر ، وفي ظل هذه الأحداث بدأ القلق يتسرب إلي نفسي عليهم وعلي مصر بلدي ، وأهم شيء أنني تأكدت أن الطائرة ستقلع في ميعادها الساعة 7.30 مساءاً
ونحن في الطائرة وهي تُحلق في سماء القاهرة وقبل الهبوط بقليل رأيت الكثير من الحرائق في أماكن متفرقة من العاصمة
في مطار القاهرة كانت قوات الأمن من شرطة وجيش متواجدين بكثافة ، وفوجئت أمامي أيضاً بسيادة الوزير / فخري عبد النور (وزير التجارة و الصناعة) والتي وجدتها فرصة لأسأل سيادته عن الوضع العام بالبلد ، ومشكوراً حاول سيادته زرع روح الأطمئنان لنا وللجميع
ولكن كان الشيئ الذي ينم عن خطورة الوضع الأمني خارج المطار هو إعلان المذيع الداخلي بالمطار بين الحين والأخر إعلانه وقوله ....علي جميع المواطنين المتواجدين بالمطار عدم الخروج من المطار والبقاء بالمطار حتي الصباح نظراً لحالة حظر التجوال ولخطورة الأوضاع بالخارج !! وإن كان أكد علي أن وزارة الطيران المدني وبالتنسيق مع الجهات الأمنية المسئولة تم الأتفاق علي إستثناء المسافرين والذين يحملون تذاكر سفر من حظر التجوال ، وأن المطار سيقدم للجميع كل التسهيلات للجميع للبقاء أمنين بالمطار حتي الصباح ، وتقديم المأكولات والمشروبات ، وكانت الساعة قاربت علي منتصف الليل
سألت عن طائرة داخلية من القاهرة لأسيوط ، فقالوا لي ثاني يوم الخامسة بعد الظهر !! ، فكان من الصعب الأنتظار بالمطار طوال هذه المدة ، وكان في إنتظاري خارج المطار أحد الأصدقاء لذلك قررت أن لا أتركه يعود لواحده في هذا الوضع ، وأتكلنا علي الله وأخذنا تاكسي من المطار إلي وسط البلد ..
لقاء مؤثر مع عقيد من الجيش
في الطريق فوجئنا بغلق أحد الطرق الرئيسية بمدرعتين للجيش ، نزل صاحبي وسائق التاكسي لمحاولة المرور وأن معهم مواطن جاي من السفر ، وكان المسئول "عقيد جيش" الذي كان يرفض المرور لأي سيارة ... فأنا نزلت من التاكسي وإقتربت من سيادته فقال له صاحبي .. أهه الدكتور نزل بنفسه ليكلم سيادتك ...فأنا بعد إلقاء السلام قلت له .... سيادتك أنا واخد عهد علي نفسي أنني في أول يوم أعود فيه للبلد (بعد ثورة 30 يونيو) ، وأول رجل جيش أراه ، عاهدت نفسي أن أأخذه بالحضن وأبوسه علي ما قام به جيشنا العظيم بقيادة البطل.. سيادة الفريق أول " عبد الفتاح السيسي".. وإنقاذه لبلدنا مصر من حكم الأخوان
فرد بخجل ... يشرفني يا فندم ، وهذا واجبنا من أجل مصر بلدنا كلنا
وبعد أن أخذته وأخذت معه كل رجل جيش وشرطة مصري شريف بالأحضان
قلت له باسماً ... أنا أعلم أنكم تقومون بعملكم وواجبكم العظيم ، فإذا سمحتم لنا بالمرور فلكم كل الشكر
فرد بشهامة ... بعد هذا الشعور النبيل والكلام الجميل .... تحت أمرك .... إتفضلوا ... وفتح لنا الطريق
الشوارع كانت خالية إلا من بعض الشباب الوطني الذي إنتشر في كل مكان والذين كونوا "لجان شعبية" ، وكانوا يقومون بتفتيش كل سيارة تمر أمامهم بكل شهامة ورجولة والتي جعلتني أفتخر بهؤلاء الرجال وأحيي وأقدم الشكر لكل مجموعة نمر من أمامها
ونظراً لحالة حظر التجوال وتوقف كل وسائل المواصلات من القاهرة إلي جميع المحافظات
لم يكن أمامي غير المبيت في القاهرة عند أحد الأقارب حتي الصباح لعل وعسي أن أجد وسيلة مواصلات إلي بلدي في الصعيد
في صباح الخميس 15-8 (ثاني يوم لفض الأعتصام) لم يتغير المشهد كثيراً خاصة بعد تأكدي من عدم وجود أي وسيلة مواصلات من البحث والسؤال في كل مكان بالقاهرة ، ولم نجد أي وسيلة للسفر إلي الصعيد
لا سكة حديد ولا أتوبيسات وأخبار مؤكدة عن قطع للطريق الصحراوي الشرقي والزراعي ، وقررت أن أنتظر في موقف السيارات الأجرة ...لعل وعسي.. وأنا في طريقي شاهدت إنتشار مكثف لمدرعات الجيش في كل مكان ، وحرصت أن أنزل من التاكسي لألتقط الصور مع أبطال قواتنا المسلحة ومع مدرعات الجيش
أهمية الصلاة والمعونة السماوية
وأنا في موقف السيارات الأجرة وبعد اليأس من وجود أي وسيلة مواصلات للسفر وخاصة وأنني لا أرغب في المبيت ليلة أخري بالقاهرة وثاني يوم الجمعة (والمتوقع ما سيحدث من الأرهابيين مع أول جمعة بعد فض الأعتصام) وقلق أهلي وقلقي عليهم في هذه الظروف الصعبة وما نسمعه من عمليات إرهابية في كل مكان
رفعت عينييً إلي السماء وقلت ... يا مًن شقيت نهر الأردن قديماً أمام شعب إسرائيل أنت وحدك القادر أن تشق لنا الطريق إلي بلدي وأهلي وناسي ... لم يمضي وقت طويل حتي يأتي الفرج ويدبرها مدبر الكون كله ، ويأتي ميكروباس وحيد للسفر إلي الصعيد
كان القلق واضح علي السائق وعلي الركاب أيضاً والخوف من الطريق في هذه الظروف لدرجة أن أحد الركاب وهو يتصل بأحد أقاربه يقول له ...إشحن لي حالاً لأني مسافر الأن علشان لو حصلت لي أي حاجة أعرف أتصل بيكم !!! ، فقلت لهم جميعاً ... إتكلوا علي الله يا جماعة ولا داعي للقلق والخوف
جلست في الكرسي قبل الأخير من الميكروباس ، جاء ثلاثة رجال ملتحين وورائهم ثلاثة سيدات منتقبات (كان واضح أنهم من الأخوان) ليس فقط من ملبسهم ولكن من طريقة كلامهم ، أحد هؤلاء الرجال طلب مني ترك مكاني لهم !! فنظرت له مستنكراً طلبه الغير لائق ومن غير إستئذان!!! ، والحمد لله أنه فهم مغزي نظرتي فأستطرد قائلاً ..معلش بعد إذن حضرتك علشان "الحريم" اللي معانا ، وقتها قمت مرحباً .. ليضعوا "الحريم" أخر كرسي وهم من أمامهم ..
ولسة بنقول يا مسهل ومع بداية السفر كادت أن تحدث مشكلة من هؤلاء الملحتين مع أحد الركاب لأنه "سب الدين" لأحد السائقين في الشارع ، لأن هذا السائق ألقي زجاجة مياه فارغة في الشارع وعملت فرقعة تحت عجلات السيارة ، فنظر الراكب من الشباك وقال ...إحنا أعصابنا مش ناقصة يا إبن كذا وكذا وسب له الدين !! ، فأحد هؤلاء الملتحين غضب وثار جداً (من خلفي ) وأخذ في الصراخ فيه ... كيف تسب الدين يا عميل يا متخلف !! يا ملحد !! يا يا .... فأنا تدخلت وطلبت منه الهدوء ، لأننا جميعنا أعصابنا مش ناقصة والظروف الأن لا تسمح بأي مشادات والأمن يملأ الشوارع ، وأنتم معكم حريم ...إلخ ، حتي هدأ أخيراً
وزاد القلق أكثر وأكثر من أول شارع سار فيه الميكروباس حيث فوجئنا بالأخوان يقطعون الطريق بكميات ليست كبيرة ولكن وضعوا كاوتشات بعرض الشارع الرئيسي وأشعلوا فيها النيران ، وشاهدناهم وهم ملثمون ويمسكون في أيديهم هراوات وأسلحة متنوعة ، والذي أكد لي أن الذين من خلفي من الأخوان .. أنني سمعت أحدهم يقول للأخر هامساً بالحرف... (بارك الله في الأخوة !! كدا بيخلوا القاهرة تتخنق !! وبعد كده الدور علي باقي المحافظات) !! ، قلت في نفسي ... كملت قدامنا إخوان وخلف ظهورنا إخوان .... و مع قفل الشارع تسبب في تكدس ألاف السيارات ، وإضطرينا للرجوع للخلف بصعوبة شديدة وتغيير مسار الطريق لأكثر من مرة حتي وصلنا أخيراً إلي أول "طريق الجيش الصحراوي " والذي كان بالنسبة لي هو الطريق المُنقذ والذي دبره لي الله لأنني أول مرة أسافر علي هذا الطريق الأمن ، وأخيراً بعد القلق وطول ساعات السفر وصلنا إلي الصعيد مع بدء ساعات حظر التجوال بقليل بكل أمن وسلام
وقدمت كل الشكر لإلهنا الصالح لأنه دبر الأمر وسًهل طريقنا ووصلنا بلدنا بالسلامة