الأقباط متحدون - الحد الأدنى للأجور... الحل السحري؟
أخر تحديث ٠١:٥٤ | الثلاثاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٣ | نسى ١٧٢٩ ش ٥ | العدد ٣٢٤٧ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الحد الأدنى للأجور... الحل السحري؟

بقلم: مؤمن سلام
شرعية أي نظام سياسي ترتبط بمدى ما ينجزه على الأرض و مدى ما يحققه من طموحات المواطنين، ما يجعل المواطنين في حالة رضا عنه وينمى لديهم الإحساس أن من حق هؤلاء أن يحكموا وأن يستمروا في الحكم. ولعل أهم ما يهم الشعوب هو الإنجاز الاقتصادي وشعور المواطنين أن أحوالهم المادية قد تحسنت وأنهم قد وصولوا إلى مستوى من الرفاهية تجعلهم يعيشون في راحة وسعادة، أو ببساطة يشعر معه الناس أنهم سعداء.
 
الاقتصاد هو سر قوة أي نظام سياسي، إذا أحسن فيه نال الرضا والشرعية وإذا أخفق فيه كان مصيره إلى الهاوية. ولعل ما شهدته مصر خلال الثلاث سنوات الماضية أكبر دليل على ذلك. فقد كان نظام حسنى مبارك يحقق معدلات تنمية مرتفعة تصل إلى 7% إلا أن سوء توزيع عوائد هذه التنمية لم يجعل الأمة المصرية تشعر بها فكان الغضب وكانت الثورة. أما نظام الإخوان المسلمين فقد ظن أن رفع راية الدين وادعاء التحدث باسم الله يكفي حتى يشعر الناس بالرضا ويعترفوا بشرعيته، فلم يكن له أي إنجاز في أي مجال فكانت الثورة عليهم ومطاردتهم في الشوارع ولم يغنى عنهم خطابهم الديني شيء، ليتلقوا أكبر ضربه في تاريخهم من الأمة المصرية وليس من النظام الحاكم كما اعتادوا. ولذلك فعلى النظام السياسي القادم إلى مصر أن يضع الإنجاز الاقتصادي نصب عينية إذا أراد ألا يفقد شرعيته سريعا.
 
من الأدوات التى تستخدمها النظم السياسية لإعادة توزيع الدخل وتحقيق حد أدنى من الحياة الكريمة للمواطنين هو تحديد الدولة لحد أدنى لأجور العاملين. وقد تحول تحديد حد أدنى للأجور في مصر منذ أواخر عصر مبارك إلى شعار ترفعه القوى السياسية لدغدغة مشاعر الجماهير الكادحة، حتى أصبحنا نرى الشعب الطيب يتابع أخبار هذا القانون بشغف وتلهف معتقدا أن تحديد الحد الأدنى سوف يحل له كل مشاكله وأن حياته الصعبة الكادحة ستتحول إلى نعيم وسهولة ويسر بعد عدة شهور من تطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي سيجعل راتبه يتضاعف فيعيش في رغد وسعة ويدخر للمستقبل أيضا.
 
هكذا دائما السياسيين يدغدغون أحلام الشعوب ليحصلوا منهم على أصواتهم الانتخابية، ثم يفيق الإنسان الكادح على الحقيقة وأنه كان يجرى خلف سراب. فنجد أن أحدا لم يقم في هذه الحملة الدعائية التى تقوم بها كل الأحزاب رافعين شعار الحد الأدنى للأجور بتوضيح سلبيات هذا القانون وأثرة على سوق العمالة.
 
فمن المتوقع عند فرض حد أدنى للأجر أن يبدأ القطاع الخاص في توفير جزء من العمالة وتسريح بعض الموظفين حتى يحافظ على مستوى تكاليفه وبالتالي مستوى أرباحه. وهنا سيكون لدينا سعداء الحظ الذين سترتفع مرتباتهم وتعساء الحظ الذين سيتم رفتهم. كما أن الكثير من التجار المصريين الذين يطلق عليهم زورا وبهتنا رجال أعمال، سيتوقفون عن توظيف المزيد من العمالة وتحميل العامل الواحد بما يجب أن يعمله اثنين، وكذلك سيتم التوقف عن إعطاء أي زيادة سنوية للموظفين ليتأكد التاجر المصري من تعويض ما دفعة في صورة زيادة في المرتبات بفعل قانون الحد الأدنى. مع الوضع في الاعتبار أن لدينا وزارة قوى عاملة لا تغنى ولا تسمن من جوع وان كل ما يفعله مفتش مكتب العمل هو الذهاب إلى الشركات للحصول على الرشوة الملائمة لكتابة تقرير يقول أن كله تمام. وهنا سنكون أمام احتمال كبير أن يرتفع معدل البطالة في الدولة.
 
وعلى الجانب الأخر هل تم الأخذ في الاعتبار التضخم؟ فمع زيادة المرتبات هذه الزيادة الكبيرة من المتوقع أن ترتفع الأسعار بطريقة جنونية بفعل زيادة الطلب، يضاف إلى ذلك أن من يبيع المنتجات أو الخدمات قد زادت تكاليفه أيضا بفعل زيادة المرتبات التى يدفعها للعاملين لدية. ولذلك قد يكون الارتفاع في الأسعار أكبر من الارتفاع في الأجور بكثير، فتكون المحصلة النهائية هي انخفاض الدخل الحقيقي للعامل حتى وان زاد عدد الجنيهات التى يحصل عليها أخر الشهر.
وأيضا لا ننسي الاستثمار الأجنبي الذي يأتي إلى مصر بفعل انخفاض التكاليف فيها عن باقي الدول المحيطة، فإذا ارتفعت التكاليف بفعل الحد الأدنى للأجور فقد يجد أن من المربح له أن يذهب إلى دولة أخرى حيث التكاليف منخفضة والأرباح أعلى وبدلا من أن ينتج في مصر ويصدر إلى خارج مصر، ينتج خارج مصر ويصدر إلى مصر.
 
نقول ذلك لعل المواطن المصري يفيق من غيبوبة الحد الأدنى للأجور التى يتاجر بها السياسيين المصريين طمعا في أصواتهم، فهو ليس الحل السحري كما يتوهمون بل قد لا يكون حل من الأساس. وأيضا نقوله لعل أهل السياسة ينظرون إلى حلول أخرى لإعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، مثل تطبيق الضرائب المتصاعدة على من يسمون أنفسهم رجال أعمال. تحسين الخدمات الصحية المجانية والخدمات التعليمية المجانية، وهو ما سيمثل وفر في ميزانية الأسرة وبالتالي يرفع دخلها الحقيقي. تخفيض سن المعاش إلى 55 سنة للمساعدة في حل مشكلة البطالة فنحن أمة فتية ترتفع فيها نسبة الشباب على نسبة الكهول والشيوخ، خاصة إذا تم بالفعل تطبيق الحد الأدنى للأجور، لمعادلة ارتفاع نسبة البطالة الذي قد يصاحب هذا الإجراء. 
 
الأوضاع في مصر أصبحت غاية في التعقيد على جميع الأصعدة ما يتطلب خطط شاملة ومتكاملة وغير تقليدية للنهوض بالوطن الذي عانى على مدار سنين طويلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، نرجو أن تكون الإدارة القادمة قادرة على خوض معركة إعادة تأسيس مصر الحديثة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter