الأقباط متحدون - قطع المعونات الأمريكية لمصر: رؤى من داخل واشنطن
أخر تحديث ٢٢:٥٦ | الجمعة ٦ سبتمبر ٢٠١٣ | ١ نسى ١٧٢٩ ش | العدد ٣٢٤١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

قطع المعونات الأمريكية لمصر: رؤى من داخل واشنطن

قطع المعونة عن مصر بين مؤيد ومعارض
قطع المعونة عن مصر بين مؤيد ومعارض
على مدار الأسابيع الماضية كان الحديث عن قطع المعونة العسكرية لمصر محل نقاش وجدال مستمر في الأوساط الأمريكية، ما بين مؤيد ومعارض، كلاهما ينظر لقرار المنح أو المنع من منظور مصالح واشنطن العليا والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.، الأمر الذي يستدعي النظر بتمعن للحجج والأسانيد التي ساقها كل فريق من أجل تحقيق فهم أعمق لكيف ينظر العقل الأمريكي البراجماتي للقضايا ذات الصلة بمصر بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام.
 
بعد نحو ثلاثة أسابيع من قيام الجيش المصري بعزل الرئيس محمد مرسى عن منصبه، وتحديدًا في 24 يوليو الماضي أوقفت الإدارة الأمريكية توريد 4 طائرات من طراز "F-16" كان قد حان وقت تسليمها للقوات المسلحة المصرية بناءًا على اتفاق سابق احتجاجًا على قيام الجيش بعزل الرئيس المنتخب ديمقراطيًا، وفي 15 أغسطس الماضي أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إلغاء مناورات "النجم الساطع" مع مصر رفضًا لأعمال العنف ضد المعتصمين المؤيدين لمرسي، وبعدها بثلاثة أيام أعلنت واشنطن عن وقف المعونات الاقتصادية السنوية لمصر والمقدرة بـ250 مليون دولار، قبل أن يطالب عضوا الكونجرس جون ماكين وليندسي غراهام الولايات المتحدة بقطع مساعداتها العسكرية لمصر لما تشهده من فوضى(1).
 
وفى 21 أغسطس كشف تقرير عرضته مجلة ديلى بيست أن الادارة الأمريكية قررت سرا وقف تقديم مساعدات عسكرية لمصر، وبالفعل ذكر مكتب السيناتور باتريك ليهى رئيس لجنة المخصصات المالية بالكونجرس أن إدارة أوباما قررت إيقاف كل أنواع المساعدات لمصر بصورة مؤقتة. وهذا يعنى أن ما تبقى من قيمة المساعدات لميزانية عام 2013 والمقدرة بـ585 مليون دولار مخصصة للجيش المصرى لن تصل لمصر.
 
وفى نفس السياق قال أوباما فى 23 أغسطس في مقابلة مع شبكة CNN، أن الإدارة الأمريكية تقوم حاليا بعمل تقييم شامل حول العلاقات الأمريكية - المصرية, بما فيها المعونة العسكرية، مستبعدا عودة العلاقات التجارية مع مصر إلي ما كانت عليه في السابق. كما ذكرت تقارير صحفية أمريكية، من بينها تقرير لواشنطن بوست، أن هناك نية لدى إدارة أوباما لوقف تزويد مصر بـ 12 طائرة أباتشى من طراز "أى إتش 64 دى"، والتى تعود عقود شراءها لعام 2009 على أن تسلم خلال شهر سبتمبر القادم، وتقدر قيمة الصفقة ب 820 مليون دولار.
 
وعلى الصعيد الشعبي كشف استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث بيو للناس والصحافة، أن نحو 51% من الأمريكيين  يؤيدون قطع المعونات الأمريكية لمصر، مقابل 26% يفضلون استمرارها على أمل التأثير على مجريات الأحداث في القاهرة(2).
 
رؤى مؤيدة: استمرار المعونات يحقق مصلحة واشنطن: 
يرى الاتجاه المؤيد لاستمرار المعونة أن صانع القرار الأمريكي مطالب بضرورة التحلي بمزيد من الواقعية في التعاطي مع قضايا الأمن القومي للبلاد، وحينما تتعارض القيمة مع المصلحة فإن الأولوية للثانية بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى. وفيما يتعلق بالمعونة الأمريكية لمصر فإن المستفيد الحقيقى من هذه المعونة هى الولايات المتحدة الأمريكية(3)، ومن يتصور أن المساعدات العسكرية لمصر تأتي كآلية لعرض القيم الأمريكية فهو مخطئ، وتصوره مناف للواقع، فهذه المساعدات ما هى إلا أداة للحفاظ على النفوذ الأمريكى داخل الجيش المصري، مع ضمان تعاون مصر في تعزيز مصالح الولايات المتحدة في المنطقة(4).
 
وإذا كان ضمان أمن إسرائيل هو المحدد الرئيس للسياسة الأمريكية بالمنطقة، فإن المهدد الحقيقي لأمن ومصالح إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هو التعصب الديني، وليس الحكم العسكري في مصر، ومن ثم فإنه لا مجال للحديث عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان إذا ما تعلق الأمن بأمن واشنطن وتل أبيب.
 
كما يرى هذا الاتجاه، أن الخبرة العملية في المنطقة قد أظهرت أن الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا في الشرق الأوسط لم تحقق مصالح واشنطن الاستراتيجية، فها هي حكومة الملالي في إيران، تدعم الديكتاتورية في سوريا وترجح فرص قيام مواجهات نووية في المنطقة، وها هي حكومة حماس، المنتخبة ديمقراطيا في قطاع غزة، تسن قانونًا يجرم محاولة أي مؤسسة تعليمية لإنشاء برنامج تبادل مع إسرائيل أو العمل لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية.
 
وعلى النقيض من ذلك فإن الملكيات غير الديمقراطية في الدول الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بمثابة حصون واشنطن في المنطقة ضد انتشار حكم الإسلاميين. لذلك فإن المطالبة بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر، ما هى إلا ولاء أعمى للديمقراطية (5).
 
ووفقًا لمؤسسة بروبابليكا ProPublica الأمريكية المختصة باقتفاء ثأثير جماعات الضغط الخارجية على الاقتصاد الأمريكي وعلى الدول المتلقية للمعونات الأمريكية، فإن مصر تعتبر من أكثر الدول غزارة فى الإنفاق لمتعهدي الجيش الأمريكي، حيث إن مبالغ المعونة توظف أمريكيًا لإلزام مصر بشراء منتجات باهظة الثمن من متعهدي الجيش الأمريكي، وبالتالي تصبح مصر مصدر دعم فعال للشركات الأميركية العاملة في مجال السلاح(6).
 
وعلى الرغم من إن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر كانت في الأساس تهدف إلى تحفيز وتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين بما يحقق مصلحة واشنطن، فقد سعى الرؤساء المتعاقبون للولايات المتحدة لاستخدامها في اتجاهات وأهداف أخرى، تتعلق بالشأن الداخلي المصري، مثل الضغط باتجاه تطوير النظام السياسي بحيث يحمي الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين، احترام حقوق الإنسان، وتوفير مساحة لمعارضة شرعية وغير عنيفة(9)، إلا إن الحقيقة الواضحة أن هذه المعونات لم تنجح يومًا في إقناع صانعي القرار في مصر بتسيير شؤون مصر الداخلية بالطريقة التى تريدها واشنطن مهما كانت الضغوط(10).
 
وهكذا فإن هذا الاتجاه يرى إن التلويح بقطع المعونات لن يغير من الأمر شيئًا على الصعيد الداخلي، وإذا كان الوضع الراهن فى مصر يؤكد أن ثمة قوتين مهمتين تتصارعان على الأرض، وهما؛ الجيش والإخوان المسلمين، ومن ثم فإن نتيجة المعركة تضع الولايات المتحدة أمام خيارين؛ إما أن يتم حكم البلاد من قبل جماعة الإخوان أو من قبل الجيش، وليس هناك بديل ديمقراطي آخر، وعليه فإن حكم الجيش أفضل لمصالح الولايات المتحدة من حكم الإخوان، لاسيما أن ممارسات الإخوان طوال عام اتسمت بعدم الكفاءة، وعدم التسامح، والديكتاتورية على نحو متزايد، مما أجبر الغالبية العظمى من الشعب المصرى أن ترحب بالقمع العسكري للهروب من التهديد الإسلامي(11).
 
رؤى معارضة: استمرار المعونات يهدد الأمن الأمريكي:
 
على النقيض مما سبق، يرى أنصار منع المعونات أن القمع كان دومًا هو الحاضنة الرئيسة للأنشطة العنيفة، التى خرج من رحمها القائد الروحي لتفجيرات 11 سبتمبر، أسامة بن لادن، ورفاقه، ومن يساوره القلق على أمن الشعب الأمريكي وسلامته مصالحه الاستراتيجية، عليه أن يدرك أن التكلفة البشرية والمالية الباهظة التى تكبدتها الإدارة الأمريكية فى الحرب على الإرهاب، كانت بمثابة الحصاد المر لديكتاتورية وقمع أنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية.
 
ومن وجهة النظر تلك، فليس هناك ما يساعد على إحياء تنظيم القاعدة وإعادة انتصاراته أكثر من ظهور ديكتاتور جديد في مصر، التي ستستحيل حينئذ دولة بوليسية تدفع شبابها إلى تصنيع القنابل أكثر مما تتجه لصنع الانتخابات، ولو استمرت عمليات القمع وإراقة الدماء، في ظل النظام العسكري فى مصر سيتسبب ذلك في نشأة عناصر إرهابية من أمثال مقاتلي القاعدة أكبر بكثير في عددها وبأسها من عدد العناصر التي قتلتها قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية طوال سنوات. ومن ثم فإن إجهاض الانقلاب الذى قاده الفريق السيسي يعتبر وأدًا للإرهاب فى مهده، بل ومن قبل ميلاده، وليس أفضل من ورقة المعونات لتحقيق ذلك الإجهاض المرغوب(12).
 
وقد يدفع البعض بأن قطع المساعدات لن يحقق الهدف المنشود بالضغط على الجيش المصري، خاصة وإن الأموال التي ستضخها دول الخليج هى مبالغ ضخمة ستظهر ضآلة المساعدات الأمريكية التي لا تتجاوز 1.5 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى تعهد وزير الخارجية السعودي علنًا بأن المملكة ستقدم لمصر أية مبالغ مالية تقطعها الولايات المتحدة، بيد أنه من الناحية العملية، لا يمكن للدول العربية أن تلعب الدور نفسه الذى تلعبه الولايات المتحدة، أو أن تسد كل احتياجات مصر من المؤن والسلع، ذلك إن القيمة الدولارية التى تمنحها واشنطن لمصر، لا تكمن في حجمها، بقدر مضمونها ونوعيتها، وإذا كان بمقدور دول الخليج أن تضخ المليارات إلى مصر، فإن تلك المليارات لن تمكنها من الحصول على أحدث الأسلحة، والمركبات، والتدريبات التى تحفظ للجيش المصرى مقومات مهابته العسكرية فى المنطقة(13).
 
وقد أشار أحد تقارير وحدة بحوث الكونجرس إلى إن قيام الولايات المتحدة بقطع المساعدات، وخاصة العسكرية عن مصر، بالإضافة إلى دلالته القانونية والقيمية، اتساقًا مع القانون الأمريكي العام، والذي يحظر تقديم أى مساعدات لدولة أطيح برئيسها المنتخب في انقلاب أو بنص مرسوم عسكري، فإنه سوف يستثير دولاً أخرى إلى فرض عقوبات مماثلة مما يضاعف من الضغوط التي ستعانيها مصر، ومن ثم إجبار المؤسسة العسكرية على إعادة النظر في حساباتها(14).
 
ومن جانب آخر فإن تأييد عموم المصريين وبعض الشخصيات الدينية البارزة، والساسة العلمانيين للانقلاب لا يغير شيئًا فى الصورة الكاملة للوضع، ولا يبرر تصرفات الجيش، وتردد الولايات المتحدة في التعامل معه على إنه انقلاب عسكري، يضع الولايات المتحدة فى موقف غير لائق، ويضرب عرض الحائط بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن من يتذرع بأن استمرار المساعدات يسهم في الحفاظ على النفوذ الأمريكي على مصر مخطئ، لأن حدوث الانقلاب فى حد ذاته يدلل على غياب هذا النفوذ وضعف التأثير(15).
 
وهكذا، فإن الاتجاه المؤيد للمنع، يرى إن قرار قطع المساعدات عن مصر هو من السهولة والأهمية بمكان لا ينبغي معهما أن يكتنفه ذرة تردد، فإذا كانت الولايات المتحدة تخشى على نفوذها، فهى بالفعل تخسر ذلك النفوذ في كل يوم عن اليوم السابق له، كما إن عدم اتخاذ الولايات المتحدة قرارات حاسمة صارمة سيترك لدى مصر ودول الشرق الأوسط  انطباعًا بإن واشنطن تتنازل عن مبادئها وقوانينها وتغض الطرف عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذى سينعكس لا محالة على دورها ومكانتها، ومن ثم مصالحها في المنطقة(16).

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.