يشتد الطلب هذه الأيام في الأسواق المصرية على الحرية. أما أنا فمنشغل حتى الآن بالبحث عن معنى لها يمكن الوثوق به. أقصد الوثوق بمواصفاتها ومكوناتها لكي لا أقع في فخ شراء حرية مغشوشة أو مضروبة. ولما كانت الناس تفكر بألسنتها، فكان من الطبيعي أن أتناول الحرية كما تكلم عنها البشر وليس المفكرين والفلاسفة. يقول زوربا اليوناني مغنيا: «أنا حر.. لا أمتلك شيئا، لا أريد شيئا، لست في حاجة إلى شيء، لست مدينا لأحد بشيء.. أنا حر».
لن أشتري هذه الحرية، فأنا أمتلك أشياء أنا في حاجة إليها، وأريد أشياء، ومدين لكثيرين بأشياء. لنذهب لأغنية للأستاذ محمد عبد الوهاب: «أحب عيشة الحرية بين الطيور والأغصان.. ما دام حبايبي، حواليّ، كل البلاد عندي أوطان. مطرح ما ييجي في عيني النوم، أنام وأنا مرتاح البال». هذه حرية مستحيلة، لست أعرف مكانا في مصر فيه طيور وأغصان، أنا أراها في الأفلام الأجنبية فقط، كما أن كل البلاد عندي ليست أوطانا، لي وطن واحد، من الواضح أن الأغنية تتكلم عن عصر لم يكن يعرف الدولة الوطنية (Nation state) ثم كيف ينام الإنسان مرتاحا في غير بيته؟! لا أعتقد أن فكرة الحرية هذه تصلح لي أو لأحد.
ويقول سيدنا عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟». الواقع أن فكرة الحرية هنا، كانت هي السائدة في التراث العربي، أي أن الحرية تعني أنك لست عبدا مملوكا لأحد، وأنا لست أحب هذا النوع من الحرية، لا أوافق أصلا على وجود أحرار وعبيد في عصرنا هذا أو في أي عصر آخر.
أنا أعتقد أن الحرية التي أبحث عنها، هي القدرة على التحقق، هي أن أكون. وهذه الكينونة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإنتاج. من المستحيل لشخص أو لمجتمع غير منتج أن يكون حرا. ومن البديهي عندما نربط الحرية بالإنتاج، أن تكون حريتك منقوصة أو مشوهة إذا كان إنتاجك ضعيفا أو رديئا.
العبودية إذن ليست زنازين وسلاسل وقيودا؛ العبودية هي عدم القدرة على الإنتاج بكل ما يعنيه ذلك من إبداع. كل حركة أو خطوة أو فعل يحد من نشاط الناس وقدرتهم على العمل، هو الاستبداد بعينه. أنا حر فقط عندما أتمكن من كتابة هذه الزاوية وإرسالها في موعدها لتقرأها أنت.. ولأن الحرية هي القدرة على العمل المبدع في كل مجال. الأحرار يعشقون الكفاءة والكفاءات، لأنهم يعشقون الحرية، والفشل بالنسبة لهم هو العبودية.
والحرية لا تعني إزالة القيود، بل تعني الإبقاء على كل ما يفيد الإنتاج منها. لقد عرف الإنسان الحرية عندما عرف القيود، إنها المواصفات وبنود الاتفاقات والتعاقدات، ومحاولة اللف والدوران وخداع البشر في مجال العمل والإنتاج لا يعرفه الأحرار، العبيد فقط هم من يحاولون خداع الآخرين. كل من يعطلني عن العمل هو عبد شرير.
ما رأيك في مواصفات الحرية كما أراها وأطلبها.. تشتري؟
نقلا عن الشرق الاوسط