بقلم : مينا ملاك عازر
توقفنا المقال الماضي عند احتياج النظام المصري الساقط أمام الثورة الشعبية التي اندلعت في الثلاثين من يونيو الماضي إلى الدعم ليستعيد وجوده، والدعم هنا يشمل المال والسلاح لمقاومة الشعب المصري، فظهرت لنا الأسلحة في الاعتصامات السلمية والعمليات الإرهابية ضد جنود الجيش والشرطة بسيناء وبأنحاء الجمهورية خاصةً بالصعيد، ورأينا اقتحام الأقسام، ومحاولات لاقتحام السجون، وكل هذا يحتاج سلاحاً بكميات هائلة، لتأمين اعتصاماتهم التي ادعوا بسلميتها وللعمليات الدموية ، فاحتاجها إخوان مصر، فتوقف الدعم السابق لسوريا لسقوط النظام الاخواني الحاكم لمصر ، وبدأت الأوضاع تخفت وتهدأ بسوريا، وتكاد تستتب للنظام العلوي الأسدي، أقول لما وجدت أمريكا أن إخوان سوريا ينهارون بعد انقطاع عمليات تهريب السلاح التي قام بها النظام المصري بنفسه أو بالوكالة عنه حجازي وأمثاله الكثر، قررت هي أن تلفق للأسد قضية أو تتخذ من جريمة فعلها حقاً- الله أعلم- ذريعة للتدخل عسكرياً لتسهيل المهمة على إخوان سوريا، طبعاً حضرتك تعرف أنهم اتهموا النظام السوري بأنه استخدام الكيماوي في قتاله مع المعارضة، وجهزوا التقارير الاستخباراتية التي تدعم اتجاههم.
هذا وصدقني، أنني على ثقة أن صدام حسين سبق له وأن فعلها بشعبه المعارض، والثائر في العراق ولم تحرك أمريكا ساكناً وقتها لأنه كان على الحجر، وأعرف أن الأسد الأب قد دمر مدن سورية كاملة لقمع معارضيه، ولم تنبث أمريكا ببنت شفة. لكن يهمني لماذا اتخذت أمريكا الذريعة، وقررت الذهاب ولو بمفردها لضرب سوريا.
أعتقد أن أهم الأسباب لذهاب أمريكا لهذه الخطوة أنها تريد تعويض الإخوان عن خسارتهم لمصر والتي كادوا من خلالها حين كانوا يمتلكون زمام الأمور بها ان يربحوا معركتهم بسوريا ،وهذا يقودنا للسبب الثاني وهو أن وصول الإخوان لحكم سوريا قد يسهل لهم القيام بما كان الإخوان بمصر تعمله حيال الإخوان بسوريا، وهو أن يدعم النظام السوري القادم الإخواني بشكل علني أو مستتر الإخوان المعارضون بمصر بتهريب السلاح لهم سواء بواسطة النظام مباشرة أو بمن على شاكلة حجازي بسوريا وهو ما تحتاجه مصر الآن، ولكن الجيش يقف عقبة كؤود أمام تهريب السلاح بضبطياته التي يضبطها بالاشتراك مع الشرطة. وهذا يذكرنا بأن ما تحتاجه مصر من سلاح وما تحتاجه سوريا ضربة أمريكية لتسهيل وصول الإخوان لتهريب السلاح لتحويل مصر لمرحلة الحرب الأهلية، كما هي عليه في سوريا فتتدخل أمريكا كما ترى الآن للتدخل بسوريا.
وآخر المشاهد التي أريدك متابعتها وتأملها، هو أن السعودية الداعمة لمعارضي بشار هي ذاتها الداعمة لمعارضي الإخوان في مصر اللذين وصلوا للسلطة، وإيران التي تدعم النظام العلوي الذي يعارضه الإخوان بسوريا تدعم النظام الساقط الإخواني بمصر أمام الإرادة الشعبية. أظنك ترى التناقض في المواقف، صحيح أن الموقف الأمريكي الثابت هو أن تدعم الإخوان، والموقف الروسي أيضاً ثابت، وهو عدم دعم الإخوان،لأنها تعتبرها جماعة إرهابية لكن مواقف البلدان التابعة، والأصغر نسبياً بجوار روسيا وأمريكا مواقف مخلتفة، خاصةً إن وضعت بحسبانك أن روسيا الداعمة لإيران تختلف اليوم مع إيران في موقفهما حيال النظام المصري الحالي، وبهذا نعرف أنه لا يوجد في السياسة مواقف ثابتة فالكل يبكي على ليلاه.
أخيراً أدعوك إلى أن تنتبه إلى أن روسيا وأمريكا في حالة لي ذراع كل واحدة تلوي ذراع الأخرى، أمريكا تضغط على روسيا بسوريا، وروسيا تضغط على أمريكا بمصر، فالبديل لدى مصر في الدعم بالسلاح هو روسيا، وأمريكا تعرف هذا، وتفهم أن مصر قد ترحب بقاعدة بحرية حربية بديلة لروسيا بموانيها بالبحر المتوسط، وهو أمر ليس جديد، فمنذ أيام ناصر والاتحاد السوفييتي - روسيا حالياً- له قواعد بحرية بمصر، توقف وجودها بعد قطيعتهم مع السادات، ولا مانع في عالم السياسة من عودتها إذا ما تخلت روسيا عن النظام الأسدي في مقابل أن تتخلى أمريكا عن الإخوان بمصر في إطار صفقة قد تبرم من تحت الترابيزة، مضمونها سيب وأنا سيب، بمعنى أن تسيب روسيا سوريا لأمريكا، وتسيب أمريكا الإخوان في مصر ولكن ليس لروسيا فمصر ليست سهل التفريط بها لروسيا إذ أنها تفوق أهمية سوريا بالنسبة لأمريكا آلاف المرات، ولكن ترك أمريكا الإخوان في مصر مقبول لهم في إطار تسليمهم سوريا، وفي إطار ما سبق ذكره، أن امريكا كلها ثقة أن النظام القادم في سوريا سيقوم بما كان يقوم به النظام الساقط بمصر حيال معارضي ومقاتلي سوريا الحاليين. وفي إطار أن إسقاط النظام السوري لن يزد عن كونه خلخلة للوجود الإيراني بالمنطقة، فيهز قوتها ويضعف من الدعم لحزب الله، فيسهل على إسرائيل أو أمريكا أو أي دولة عربية كارهة لإيران ضربها بغير قلق من ذراع إيران القريب من إسرئيل متمثل في سوريا أو حزب الله.
المختصر المفيد السياسة فن السفالة الأنيقة.