الأقباط متحدون - حتمية الإصلاح الديني
أخر تحديث ٠١:٢٧ | السبت ٣١ اغسطس ٢٠١٣ | ٢٥ مسري ١٧٢٩ ش | العدد ٣٢٣٥ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

حتمية الإصلاح الديني

بقلم : مؤمن سلام
منذ اندلاع مظاهرات 25 يناير 2011 وحتى اليوم يتعرض الأزهر وشيخه لهجوم حاد ومحاولات حثيثة للسيطرة عليه، تراوحت بين السب العلني من أطراف داخلية ودولية، ومحاولات تسميم الطلاب والاعتداء على مشيخة الأزهر. الحقيقة ونحن نقف ضد هذه الهجمة الشرسة ضد أحد المؤسسات الوطنية المصرية لابد أن نقف أيضا لنقيم وندرس أسباب ما تعرضت له مصر في العام الأخير وما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من الترهل جعلت كل المؤسسات الوطنية المصرية في مهب الريح وعلى وشك التدمير لتنهار معها الدولة المصرية. ولعل أهم أسباب هذا الترهل هو عدم قيام هذه المؤسسات بدورها المنوط بها.

فإذا نظرنا إلى الأزهر سنجد أنه ترك الفكر الوهابي يتغلغل فى عقول المصريين على مدار 40 سنة فأطلق موجة تدين تعتبر الفقه الحنبلي هو الإسلام وما خالفه فكفر وزندقة. فتحول الدين الإسلامي إلى رأى واحد وفقه واحد هو مذهب أحمد ابن حنبل بمنهج ابن تيمية وتطبيق محمد بن عبد الوهاب، واختفى التدين المصري الصوفي القائم على الفقه الشافعي والحنفي. لقد ترك الأزهر الساحة لمدعى المشيخة والعلم الديني يبثون سموم الفكر والفقه الوهابي في عقول المصريين، رجال يدعون العلم الديني وهم من خريجي كليات الإعلام والألسن والتجارة ومعاهد المعلمين والآداب، كل ما يمتلكون من علم هو قراءة مجموعة من الكتب المحددة التابعة لنفس الفكر والفقه، فلا يدرون شيء عن الاختلاف الفقهي والآراء الكثيرة المتعددة الموجودة في كتب التراث الإسلامي، مما يجعل حياة الناس أيسر وأسهل وأقرب إلى الواقع والعصر.

 فإذا قلت على سبيل المثال أن هناك فقهاء كبار يقولون بفناء النار، ولو قلت أن منهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح فقط وليس بالجسد، ولو قلت أن المعتزلة تقول بتقديم العقل على النقل، ولو قلت أن 6 من الصحابة كانوا يلبسون الذهب كما ذكر سيد سابق فى كتابه فقه السنة، ولو قلت أن هناك من يرى أن الخمر هو ما صنع من التمر والعنب فقط، وأن عورة المرأة مختلف فيها وبالتالي مسألة الحجاب هي محل خلاف، وأن تعريف الربا مختلف فيه، لو قلت مثل هذه الأشياء لأتهمك الناس بالضلال والكفر والفسق. لماذا؟ لأنهم على مدار أربعين سنة لا يسمعون إلا رأى واحد وفكر واحد وفقه واحد في ظل صمت وانسحاب الأزهر من المشهد.

حتى اشتكي بعض الشيوخ الأزهريين ومنهم الشيخ محمد الغزالي من تقديم الحديث على القرآن، ولكنهم للأسف استمروا فى الصمت ولم يحاولوا مقاومة هذا الغزو الوهابي لمصر، حتى وصلنا إلى مرحلة الآن أصبح رأى الفقيه مقدم على القرآن. على طريقة إذا عارض النص رأينا فهو إما مؤول أو منسوخ، فإذا قلت للشخص القرآن يقول كذا يرد عليك بقول هذا الفقيه أو ذاك.

والحقيقة أن صمت الأزهر أمام هذا الهجوم الوهابي على الثقافة والعقلية المصرية، لم يكن كله بسبب تخاذل أو تقاعس الأزهر في رد هذا الهجوم. ولكن جزء كبير منه يرجع إلى فقدان الأزهر لموارده المالية بعد الاستيلاء على أوقافه، فتم إفقار الشيوخ الأزهريين ليكون غير قادرين على شراء الكتب والكمبيوتر للإطلاع على العلوم الشرعية ولمتابعة أحدث ما ينشر من فتاوى واجتهادات والتعرف على أحوال العالم وربطها بالفقه الديني. فأصبح هؤلاء الشيوخ تحت رحمة إحسان دول الخليج التى تمدهم بالمكتبات الكاملة والتي بالتأكيد يغلب عليها الطابع الحنبلي الوهابي، لتحول شيوخ الأزهر من الفقه الشافعي والحنفي إلى الفقه الحنبلي، ومن روحانية الصوفية إلى جمود وقسوة السلفية.

هذا على مستوى الأفراد داخل الأزهر، أما على مستوى المؤسسة فقد اعتمدت كثيرا على تبرعات الحكومات الخليجية في عمارة الأزهر ورعاية الطلاب وتقديم الخدمات. وكما يعرف كل من له معرفة بالعلاقات الدولية لا يوجد معونة بدون مقابل، ولعل اقل مقابل حصل عليه حكام الخليج هو عدم تصدى الأزهر للفكر المتطرف القادم إلينا من صحراء الجزيرة العربية.

نحن الآن في حالة حرب مع هذا الفكر الوهابي، سواء حرب حقيقية تدور في سيناء بين الجيش المصري والإرهابيين، أو حرب سياسية تدور رحاها في القاهرة بين الدولة والأحزاب الدينية، أو حرب ثقافية تدور في كل بيت ومدرسة وجامعة وشارع لمواجهة هذا الفكر المتطرف الزارع للإرهاب. والحرب الثقافية هي الأهم فالانتصار فيها يعنى التخلص من هذا الفكر وما ينتج عنه من إرهاب وتطرف وعنصرية وفتن طائفية، وعودة مصر إلى ثقافتها المعتدلة الروحية والمتسامحة. ولنتذكر جميعا أن إعدام قيادات الإخوان في الخمسينات والستينات لم يقضى على هذا الفكر، فلا يقضى على الفكر إلا الفكر.

فهل يستطيع الأزهر الآن بعد صمت 40 سنة أن يتكلم ويصحح ما أصاب عقول المصريين من خلل؟ أم أن المعونات الخليجية ستجعله يستمر فى الصمت؟ هل يظهر شيخ فى شجاعة محمد عبده لا يهتم بمنصب ولا بالدرهم ولا الدينار ولا الريال فيصدع بالحق؟ هل تعيد الدولة للأزهر أوقافه فيتحقق له الاستقلال الفكري قبل السياسي فيقود الإصلاح الديني في مصر وهو أول الطريق نحو التنوير والدولة الديمقراطية الحديثة؟


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter