بقلم : نزهة توفيق
"سي السيد" أسطورة الرجل الشرقي  القوي و المتسلط الذي تهابه زوجاته (غالبا ما تكون له أكثر من زوجة) و أبناءه، العارف بكل شيء و الآمر و الناهي. أسطورة دعمتها و روجت لها وسائل الإعلام بأشكال مختلفة كالأفلام المصرية القديمة مثلا حتى أصبح دورا يتقمصه الرجل و يلعبه داخل بيته و محيطه، لكن  هذا لا ينفي في المقابل أن "سي السيد" شخصية كائنة و موجودة من قبل في مجتمعاتنا العربية عامة و الخليجية خاصة إلا أن الترويج لها من طرف وسائل الإعلام و تكرارها في عدد من الأعمال الفنية كان له وقع خاص بالإضافة الى الظرفية الزمنية و الاجتماعية آنذاك و التي كانت تتميز بهيمنة الرجل ماديا و معنويا بحيث أن حظ المرأة من التعليم و الشغل كان أقل بكثير من حظ الرجل مما هيأ له فضاء مناسبا و تربة خصبة لممارسة تسلطه و فرض سيطرته.

إذا كان العامل المادي و الثقافي قديما قد ساهما في تكوين شخصية "سي السيد" أو الفزاعة الرجل، فكيف يمكننا اليوم تفسير شكاوى  بعض النساء العاملات و المثقفات  من هيمنة أزواجهن وأقاربهن الذكور و تسلطهم،هل يمكن اعتبار "سي السيد" مجرد شخصية ساهمت عوامل محددة في نشأتها في ظرفية زمنية معينة؟ أم انها قد أصبحت ثقافة ضاربة في عمق مجتمعاتنا العربية؟

إننا عندما نتحدث عن هيمنة و تسلط الرجل لا نتحدث و لا نشير بالضرورة للعنف الأسري تجاه المرأة و الأبناء و إن كان هذا الأخير متفشيا في أوساط المجتمع المغربي ،بل إن تجليات هذا التسلط يمكن ان تكمن في تفاصيل الحياة الزوجية و الأسرية التي لا يعيرها معظم الناس اهتماما بالغا و التي تكرس في عمقها مجتمعا أبويا طبقيا لا يستند في أسسه لأي عامل ديني كما يزعم البعض ممن هم ضد مساواة المرأة بالرجل مساواة تامة بحجة  أن الله قد خلق المرأة مهيأة بيولوجيا و نفسيا لتربية الأولاد و الاعتناء بشؤون البيت و الزوج!! في حين تبقى مهمة الرجل هي السعي في كسب الرزق و قوت العيش خارج المنزل لأن تكوينه الجسماني يخول له ذلك،و هذا خطأ شائع حتى أصبح جزءا من تقاليد و أعراف المجتمع العربي.

إن هذا التقسيم في المهام داخل و خارج البيت بين الرجل و المرأة هو تقسيم طبقي لا علاقة له بالدين الإسلامي و لا بسائر الديانات السماوية إذ انه  يخدم الرجل و المجتمع الأبوي في جميع الأحوال فإذا أخذنا على سبيل المثال زوجان يعملان في نفس الشركة و بنفس المرتب الضئيل و الزوج يعلم في قرارة  نفسه أنه بدون مرتب زوجته لا يستطيع التكفل و دفع مصاريف البيت و الأولاد في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة.بالرغم من ذلك نرى هذان الزوجان و قد عادا الى عشهما الزوجي على الشكل التالي: الزوج منبطح على الأريكة يتابع البرامج الرياضية أو عروض الأزياء في  حين الزوجة داخل المطبخ تعد الغذاء و تمسح الأرضية و تغسل الاواني!!

إن أعداء مساواة المرأة بالرجل  لا يذكرون مثل هذه الأمثلة بل تراهم يرددون في كل مناسبة "هل تستطيع المرأة أن تعمل كالرجل في البناء و السكك الحديدة و حمل البضائع الثقيلة" مبرزين من خلال هذه الأمثلة الغبية أنه لا مجال لمساواة المرأة بالرجل لأنه أقوى منها جسديا.و أنا من جهتي أقول هل كل الرجال بناؤون و حمالون؟ إن عدم اشتغال المرأة بوظائف معينة كالبناء و النجارة و السكك و غيرها لا يعني بتاتا انها غير قادرة على ذلك،أو أن في ذلك انتقاصا لقدراتها الجسمانية بالعكس تماما إذ أنها مجرد صورة نمطية و ثقافة مجتمعية كرست فكرة ان المرأة بأنوثتها و عذوبتها لا تليق بمثل هذه الوظائف  فأصبحت ثقافة  و جزءا من تقاليد المجتمع لا أقل و لا أكثر.  لكننا في المقابل نجد من النساء و الفتيات من أرغمتهن ظروف الحياة القاسية على العمل و مزاولة مهن شاقة فنأخد على سبيل المثال تلك الفتاة الفلسطينية التي تناولت قصتها مجموعة من الفضائيات و المواقع الالكترونية ..انها جميلة  من غزة الفتاة التي تعمل في البناء حالها حال مجموعة من الرجال و ترفع أكياس الاسمنت الثقيلة لتعيل والدها بعد ان توفي جميع أفراد عائلتها، فأعطتنا من خلال تجربتها هذه درسا في الأخلاق و الشرف و المساواة مفندة بذلك ادعاءات من هم ضد مساواة المرأة بالرجل و المتشدقين بقوة الرجل الجسمانية مقابل ضعف المرأة.
إن المساواة بين الرجل و المرأة اليوم  هو أمر مفروض على المجتمع بل أكثر من ذلك هو واقع و ممارسة يومية لا يمكن انكارها بعد أن أصبحت  هذه المرأة تحتل مكانة بارزة و تلعب دورا هاما في الحياة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و كذا الاجتماعية  فمعظم الرجال و النساء اليوم يعملون في نفس  المجالات و الحقول تقريبا كالطب و التدريس و الصحافة و الادارة و غيرها من الوظائف التي لا تستلزم جهدا بالغا أو شاقا لكلا الطرفين.لكن  للأسف و  بالرغم من  كل ما حظيت به المرأة من مساواة و حرية و حق في التعليم و الشغل  نرى بعض النساء لا تزال حبيسة  أفكار خطها المجتمع الذكوري  بل  تدافع و بكل قوة عن  مجتمع طبقي أبوي فنراها تعامل ابنها معاملة  مختلفة ، تسمح له بالخروج متى شاء و بالسهر و قد تمنحه مصروفا مضاعفا في مقابل أخته التي  تقضي أيام عطلتها في المطبخ تساعد امها في الجلي و الكي و المسح مسوغة ذلك بفكرة أن الرجل رجل لا تليق به مهام النساء من الاعمال المنزلية  حتى و إن كان فاشلا دراسيا و عاطلا عن العمل فهو يمتلك هذه الماركة المسجلة عالميا ألا و هي ان تكون رجلا.و لا ننسى كذلك عاملا مهما ساهم مساهمة بالغة في تكريس ثقافة التفريق و التمييز بين الجنسين في الحقوق و الواجبات  ألا و هو عامل الإعلانات و المقاطع الإشهارية التي تبثها وسائل الاعلام من القنوات الفضائية و التي تلخص دور المرأة بالكامل في إعداد الوجبات و غسل الملابس فتقوم غبر ذلك بغرس صورة مفادها أن حياة و دور المرأة متمحور حول  الرجل و سبل العناية به و توفير ما يحتاج له من طعام و ملبس نظيف له و لأولاده و أنه مهما علت مرتبتها الفكرية و العلمية  فلا سبيل لها للهروب من هذه الواجبات التي تمثل جوهر حياتها مما يجعلنا نرى العديد من الآباء و الازواج و الامهات للأسف يتفوهون بكلام مفاده أن دراسة الأنثى لا فائدة منها و ليست ضرورية فهي في الأخير ستتزوج و تهتم بشؤون بيتها و زوجها و هذا ما يدفع الرجل و بكل جرأة  لمطالبة المرأة  بالعدول عن دراستها أو وظيفتها لأنه لا يرى بدا لذلك  و للأسف الشديد تستجيب العديد من الفتيات لرغبة أزواجهن  فينقطعن عن الدراسة و العمل  ليصبحن فيما بعد ضحايا ل "سي السيد" و أمثاله .
يجب ان تعلم هذه الفئة من النساء و ربات البيوت  أنه لا سبيل لإقرار المساواة التامة بين الرجل و المرأة إلا بمحاربة مثل هذه العقليات و التصرفات التي  تصنع من أبنائنا طواغيت متشبعين بفكرة أن المرأة أقل درجة منهم فتراهم يغتصبونها و يسلبونها حريتها و حقوقها و ينظرون لها نظرة دونية لا تتعدى  كونها آلة لإنجاب الاطفال و إعداد الطعام و تفريغ الشهوات.لذلك فأنا أدعو كافة النساء إلى القطع مع هذه الأفكار الذكورية التي  تعتمد مبدأ الجنس أساسا للتفاضل بين الأبناء بل المساهمة في  بناء مجتمع تكون فيه الغلبة للعلم لا للأعراف و التقاليد الواهية.

لقد حاولت في هذه المقالة  تسليط الضوء على ظاهرة مجتمعية  متفشية لكن هذا لا يعني التعميم بتاتا فنحن نقر بوجود فئة مثقفة من الرجال و النساء الذين تمكنوا من كسر هذه الأفكار و الأعراف محاولين بذلك بناء مجتمع  تكافئي  و تضامني لا تكون فيه الغلبة لجنس معين  فالمساواة لا تعني  ضرب دور الرجل داخل المجتمع و مؤسسة الزواج  عرض الحائط بل بالعكس هي خطوة من أجل ارساء قواعد مؤسسة تشاركيه و تفاعلية بين الرجل و المرأة.