بقلم أحمد عبدالمعطى حجازى | الجمعة ٢٣ اغسطس ٢٠١٣ -
١٣:
٠٨ ص +02:00 EET
ليست مجرد عنف مادى
يسألنى من يعرفوننى عن المدى الذى أتوقع أن نتغلب فيه على هذه الجماعة الفاشية الإرهابية- جماعة الإخوان المسلمين- ونُحكم فيه الحصار حولها، ونجرّدها من جميع الأسلحة التى تستخدمها فى حربها المعلنة منذ نشأتها على الدولة والمجتمع، ونفرض على من يستمعون للقول من أعضائها أن يراجعوا أنفسهم، ويمتثلوا للدولة الوطنية، وما تنهض عليه من أسس، وللنظام الديمقراطى المدنى، وما يضمنه للمواطنين من حقوق وحريات، وما يفرضه عليهم من واجبات والتزامات. الكثيرون يطرحون على هذا السؤال، وأنا أطرحه من جانبى على الكثيرين وعلى نفسى لأنه سؤال الساعة، الساعة الراهنة، والساعة الماضية، والساعة الآتية، أعنى أنه سؤال أول، جوهرى، يتجاوز جماعة الإخوان إلى كل ما تنادى به هذه الجماعة من أفكار، وما تحاول هدمه، وما تسعى لتحقيقه، والدليل على أن السؤال يتجاوز الجماعة إلى كل ما أشرت إليه أنه مطروح علينا منذ نشأت قبل ثمانين عاماً إلى اليوم، وأننا لم نفلح طوال هذه
الأعوام الماضية فى الإجابة عن السؤال والتصدى للإخوان رغم الجرائم التى ارتكبوها، والوعى الفاسد الذى نشروه، والحرب التى أعلنوها على الحاضر والمستقبل. وإذا كانت السلطات قد انتبهت لخطرهم، وحاصرت نشاطهم حينا فقد استخدمتهم فى بعض الأحيان، وإذا كانت قد أعلنت الحرب عليهم فى الخمسينيات والستينيات فقد تحالفت معهم بعد ذلك، ونافستهم فى خلط الدين بالسياسة، وتبنت بعض أفكارهم، وأفسحت لهم المجال فى العمل السياسى، ومكنتهم من العبث بالدستور، أو شاركتهم فى العبث به، فهم يغيرون المادة الثانية لتكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بدلاً من أن تكون مصدراً من مصادره، والسلطة تغير المادة السابعة والسبعين التى تعطى رئيس الدولة الحق فى الترشح لمدة ثانية فتجعلها مدداً بلا عدد، ومن الواضح أنه كان سباقاً على السلطة بين طغاة يحتلونها ويسعون للبقاء فيها، وبين طغاة آخرين فى قاعة الانتظار يسعون لاحتلالها بواسطة الشريعة التى جعلوها سلماً
للسلطة يعتلونه إليها، ليطبقوا الشريعة، ثم يرفعونه فلا يتبعهم أحد، وهذا ما حدث أو ما كان يمكن أن يحدث، فالجماعة التى أعلنت الحرب على الدولة والمجتمع واغتالت خصومها من الساسة والمثقفين بأيدى أعضائها وأيدى حلفائها- هذه الجماعة تمكنت من سرقة الثورة المصرية واحتلال البرلمان، والوصول إلى سدة الرئاسة، وتلفيق الدستور وتزويده بما يمكنهم من تحقيق حلمهم الكابوسى، الذى أفصح عنه بعضهم للفريق أول عبدالفتاح السيسى حين قال له: لقد وصلنا إلى السلطة، وسوف نبقى فيها خمسمائة عام!
ولقد يظنها البعض نكتة أو مبالغة لفظية، فمن هو هذا الحاكم الأسطورى، الذى يحلم الآن بالبقاء هو وخلفاؤه فى السلطة خمسمائة عام؟ غير أنها ليست نكتة ولا مبالغة، وإنما هى عقيدة ثابتة تظن بها هذه الجماعة الفاشية أنها ستصحح بها التاريخ وتعيد بها الخلافة كما كانت قبل خمسمائة عام! نعم خمسمائة عام! لأن العالم فى نظر هؤلاء المعتوهين لم يتغير عما كان عليه فى العصور الوسطى، والسيد بديع الذى يبدو لى أنه لم يقرأ كتاباً واحداً فى التاريخ يمكن أن يحل محل السلطان قايتباى، ويستطيع أردوغان أن يلعب دور سليم الأول. أما نحن فليس لنا عند هؤلاء النخاسين إلا الدور الذى لعبه أجدادنا فى ظل الطغاة دور الرعايا المستعبدين!
التاريخ عن هذه الجماعة الفاشية ليس حركة للأمام، وإنما هو عودة للوراء، والأعوام الخمسمائة التى اعتبروها حداً مناسباً لبقائهم فى السلطة بحيث يحق لهم أن يتحدثوا عنها دون حرج أمام قادة الجيش- هذه الأعوام الخمسمائة لن تحسب طبعاً بالجمع، ولن تحملنا بالطبع إلى القرن الخامس والعشرين، وإنما ستحسب بالطرح، وتعود بنا إلى القرن السادس عشر، وربما إلى العام الذى استولى فيه الأتراك العثمانيون على بلادنا فحطموا استقلالها وأذلوا شعبها، وبددوا ثرواتها، وحولوها إلى ولاية فى إمبراطوريتهم الهمجية، التى يحلم أردوغان بإحيائها فى هذه الأيام، وهذا هو المشروع الإسلامى، الذى تتحدث عنه هذه الجماعة الفاشية الإرهابية، وتعدنا أو تتوعدنا به.
مشروع الإخوان والسلفيين وجماعات الإسلام السياسى بمختلف أسمائها ومواقعها هو العودة إلى تلك العصور المظلمة، هو الدولة الدينية الطائفية على أنقاض الدولة الوطنية، وهو الرعية المستعبدة على أنقاض الأمة الحرة، وهو الحكم المستبد المطلق على أنقاض الديمقراطية، وهو مجتمع التمييز والفصل والمنع والمراقبة والأمر والنهى والسمع والطاعة على أنقاض مجتمع الحرية والمواطنة والتسوية الكاملة بين الرجال والنساء، وبين المسلمين وغير المسلمين، ومشروع الإخوان وجماعات الإسلام السياسى فى الثقافة هو الحفظ والنقل والتسميع والتلقين والتقليد والتغييب على أنقاض ثقافة العقل والعلم والبحث والكشف والشك والنقد والخلق والإبداع.
هذا هو مشروع الإخوان وهذا هو عصرهم، فالسؤال المطروح علينا عن المدى الذى نتوقع فيه أن نتغلب عليهم ونأمن شرورهم، ونستأنف السير فى طريق التقدم والحرية ليس مجرد سؤال، وإنما هو التحدى الأكبر الذى نواجهه، ليس فقط منذ ظهرت هذه الجماعة الفاشية الإرهابية قبل ثمانين عاماً، بل منذ واجهنا الغرب فى حملة بونابرت، وفتحنا عيوننا على العصور الحديثة، التى ظللنا مترددين فى دخولها نقدم رجلاً ونؤخر أخرى، نندفع فى طريق النور والحرية، ثم نرتد إلى عصور العبودية والظلام ننعم سنوات بحكم الدستور والقانون، ثم نشقى عقوداً بحكم الفرد والطغيان، وتلك هى حالنا التى ظللنا نتخبط فيها طوال القرنين الماضيين لم نخرج خروجاً نهائياً من العصور الوسطى، ولم ندخل فى العصور الحديثة إلا متلصصين متطفلين، نلقى النظر أو نسترق السمع على من صنعوها ثم نفر هاربين إلى عصورنا المظلمة، أو إلى تلك المرحلة الضبابية أو الرمادية الفاصلة بين ليل الماضى وفجر المستقبل، مرحلة الأعراف التى ظللنا واقفين فيها طوال القرنين الماضيين، ولم نغادرها إلا فى ثورة الثلاثين من يونيو.
نعم، فى ذلك اليوم المجيد نفضنا أيدينا من العصور الوسطى وأدرنا ظهورنا لها، وها نحن على أبواب العصور الحديثة، نتهيأ لندخلها ونصبح من مواطنيها، وهذا هو جوابى عن السؤال المطروح.
جماعة الإخوان ليست مجرد تهديد أمنى، وليست مجرد عنف مادى، وإنما هى قبل كل شىء خطر عقلى، جنون يشدنا إلى الوراء، ويغلق فى وجوهنا أبواب المستقبل، ويحكم علينا بالبقاء الأبدى فى الظلمة والجهل والتخلف واليأس والعبودية، ونحن لن نتغلب على هذه الجماعة الفاشية الإرهابية بأجهزة الأمن وحدها. أجهزة الأمن تستطيع أن تحاصر هذه الجماعة، وتقضى على وجودها المادى أو تحجمه، لكنها لا تستطيع أن تقضى على نفوذها المعنوى، الذى تعتمد فيه على ما ورثناه من أوهام وأغلال لن نتخلص منها إلا بثقافة جديدة نبنيها فى النور والحرية.
المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع