بقلم: رفعت السعيد

 
والكتاب الذي تحدثنا عنه عبارة عن محاضرة القاها المؤلف السيد الأمير علي – قاضي الهند سابقا في جامعة لندن بالانجليزية في مطلع القرن العشرين، وعلي الفور ترجم وطبع في القاهرة ليصدر عام 1903، وقد بدأ الأمير علي محاضرته مهاجما وليس مدافعا فقال «أن في انكلترا بل في ممالك أوربا كلها تقريبا سوء فهم كبير عن مركز المرأة في الإسلام، فهم يظنون أن المرأة ليست مساوية للرجل إلا في العالم المسيحي، ولست أريد أن أبحث في مدي صحة هذا الظن فإن السيدات الغربيات المطالبات بحقوق النساء السياسية، واللواتي تعاطف معهن كثيرا، ذلك التعاطف الذي دام أربعين سنة، أولئك السيدات هن أول من يدحضن هذه الدعوة علي الأرجح، أما رأيي الخاص فهو أن المرأة في نظر الشريعة الإسلامية السمحاء تحتل مكانة أرفع مما كان مخولا لها في انكلترا حتي بضع سنين، وأنها الآن تحتل مكانة أرفع مما تلاقيها في كثير من بلدان أوربا». (السيد الأمير علي الهندي- مركز المرأة في الإسلام- تعريب علي فهمي محمد- القاهرة- ص8).
 
ويواصل الرجل هجومه «إن هناك ما يبرر سوء الفهم الذي أشرت إليه سابقا، والموجود حتي الآن في أمم أوربا التي لا علاقة لها أو لها علاقات محدودة بأمم الإسلام، بل إن تلك الأمم الأوربية حينما تفرض عليها الاحوال الاحتكاك بالأمم الإسلامية تكون علاقتها بها- علي الأكثر- خالية من التعاطف وليس عدم إدراك مركز المرأة في الإسلام إلا جزءا من ذلك الشعور العام غير المبني علي التعاطف مع الأمم الإسلامية» (ص7) ثم يبدأ في الحديث المفعم بالاستنارة والذي يفيض بالمعرفة الحقة بمقاصد الشريعة الإسلامية إزاء المرأة علي أربعة أوجه «كونها ابنة- وكونها زوجة، وكونها اختا وكونها أما.. أي كونها أم الهيئة الاجتماعية التي هي منها» ونواصل لنقرأ رؤية مستنيرة «إن الابنة المسلمة لا تعتمد في الاصل علي نظر والديها في مستقبلها، فإن الإسلام يعطيها الحق في حماية ذاتها من العبث، وليس من المصادفة أن الإسلام اعطي الأم المطلقة حق حضانة الابنة التي لم تبلغ سن الرشد. وإذ تبلغ الفتاة سن الخامسة عشرة لا يمكن عقد قرانها إلا برضاها بشكل صريح، ولا يمكن لأي إنسان آخر حتي ولو كان ملك البلاد أن يرغمها علي الزواج ممن لا ترغب فيه» (ص10) وعندما تتزوج «لا تفقد شخصيتها الاعتبارية نتيجة لهذا الزواج، بل تبقي متمتعة بجميع حقوقها القانونيه، ويكون لها الحق في أن تتصرف في ثروتها كما تشاء وكما تريد، وإذا كانت تاجرة فإن ربحها لنفسها.
 
ولها الحق في أن تتعاقد وأن تتعاهد مع من تشاء دون تدخل لزوجها أو ابيها، كما أن لها الحق في أن تشغل أي وظيفة والقيام بأي عمل، ولها الحق في أن تكون وصية علي تركة، وقد وجد في بطون التاريخ نسوة مؤمنات صالحات تمكن بفضل علمهن ومعارفهن الفقهية أن يصلن إلي مراتب دينية رفيعة فصرن زعيمات للطرق الصوفية، ثم إن الإمام إبي حنيفة الذي يتبع فقهه اغلب أهل السنة قد اعطي المرأة حق الجلوس في مجلس القضاء» (ص16) وأورد الرجل اسماء نساء عدة اشتهرن في زمانهن بالعمل والفضل في أمور الدين والدنيا.
 
«ففاطمة الزهراء كانت تحاضر في ملأ غفير من الرجال والنساء، وهناك «فضل» الشاعرة الأكثر شهرة في زمن الخليفة المتوكل ، و«شهده» التي كانت خلال القرن السادس الهجري واحدة من أشهر المتحدثين في التاريخ والآدب وزينب أم المؤيد وكانت في ذات الفترة من اشهر فقهاء عصرها وأخذ عنها العديد من العلماء وكانت تدرس الشريعة في أشهر مساجد عهدها». وأكد المؤلف أن عديدا من نساء شهيرات أفسح لهن معاصرونهن مجال الشعر والعمل والكفاءة بسبب نبوغهن في عديد من المجالات سواء في القضاء أو التعليم أو التشريع أو الافتاء أي في أهم وظائف ذلك الزمان، بما يعني أن التحيز ضد المرأة هي مجرد بدعة محدثة لم تعرفها الشعوب الإسلامية إلا في زمن الانحطاط».
 
أما عن تعدد الزوجات فيقول «اسمحوا لي أن اذكر لكم كل التأكيد أن تعدد الزوجات ليس من الإسلام في شيء. أو بعبارة أخري أن علاقة هذه العادة بالإسلام ليست بمقدار كثير من العادات الضارة والشائكة في الغرب وتنسب إلي المسيحية. فإن «عادة» (نلاحظ تكرار اعتبار تعدد الزوجات مجرد عادة) تعدد الزوجات عرفها العالم من القدم كعادة تعدد الازواج ونعرف أن الأمم القديمة كانت جميعها تمارس تعدد الزوجات بلا استثناء فقد كانت شائعة عند الاثينيين والفرس والعبرانيين، وعرب الجاهلية، بل أنها كانت شائعة أيضا في العالم المسيحي رغم نهي جستنيان عنها» (ص19)
 
ويمضي قائلا «والآن لننظر إلي ما فعله النبي لتغيير الأفكار في بني أمته من أجل رفعها إلي مستوي افضل. فقد حدد الزوجات اللواتي يجوز للرجل التزوج منهن، واشترط لذلك شروطا شديدة هي في حقيقة الأمر بمثابة التحريم، وإنما صرح بتلك العادة من قبيل التسامح ومرونة الدين نظرا لشيوعها وكثرة انتشارها قبل الإسلام. وفي القرآن الكريم «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» وليس العدل الذي ذكر في القرآن هو المساواة في المسكن والمصرف كما يتحجج بذلك انصار الأفكار البالية العتيقة، وإنما هو يقضي بها بالمساواة في الحب والميل والاحترام. ولذلك ورد في القرآن الكريم «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل» ولقد تم العمل بهذا الرأي حتي القرن الثامن الميلادي حيث قرر علماء المعتزلة أنه مادامت المساواة التامة في الشعور مستحيلة التحقيق، فإن آيات القرآن ظاهرة المبني والمعني علي انها تنهي عن تعدد الزوجات.
 
وهذا الرأي آخذ الآن في الانتشار، ففي الهند لا يكاد يوجد إثنان بالمائة متزوجين بأكثر من امرأة واحدة، وكذلك الحال في إيران بينما يندر تعدد الزوجات في تركيا ويمكن القول إن تقدم الفكر الإنساني لابد أن يزيل الضرورة التي دعت إلي تعدد الزوجات فتصبح هذه العادة المرذولة في زوايا الإهمال، بل العدم» (ص22).
 
أما الحجاب فهو عادة أيضا وكانت جارية عند الاثينيين القدماء ثم امتدت إلي الدولة البيزنطية وكان معمولا بها وبتشدد تام في روسيا حتي جاء بطرس الأكبر فمحا هذه العادة بوسائل صارمة وعلي هذا فمن الخطأ القول أن النبي محمد قد ادخل هذه العادة في الإسلام»(ص25) ثم يأتي المؤلف إلي موضوع الطلاق فيقول «أن شروط الطلاق وأحواله تختلف باختلاف المذاهب الفقهية وتكاد هذه المذاهب أن تجمع علي أن الأمر بالطلاق مفوض للقاضي وحده، وقد أكد النبي أن ابغض الحال عند الله الطلاق. ثم أن الإسلام وضع قيودا علي الطلاق، فإذا وقع شقاق بين الزوجين فيأمرنا القرآن «فإن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أن الله كان عليما خبيرا» وإذا فشل الحكمان يحق للزوج أن يطلق امرأة، وذلك لا يكون عند الكثير من الفقهاء إلا بعد ثلاثة اشهر.. لعل أحدهما أو كليهما يثوبان إلي الصواب. ويختتم الأمير علي محاضرته قائلا «وهكذا يتضح أنه بالرغم من وجود بعض التقاليد الخرافية فإن مركز المرأة في الإسلام واسع الحرية ويمنحها حقوقا جمة- بل إن الإسلام أكسب المرأة حقوقا لم يتم الاعتراف بها لدي الأمم المتمدنة إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، ويكفيه ذلك فخرا».
 
ويبقي أن نتذكر أن هذا الكتاب ترجم ونشر في عام 1903.. ونال دعما ومساندة من كثيرين آخرست صوت التأسلم آنذاك ..والآن ماذا لو اعيد نشر هذا الكتاب فهل سيلقي ذات الحماية؟ أم أننا تراجعنا إلي أسوأ مما كنا عليه منذ مائة وعشرة أعوام؟