بقلم منير بشاى
منذ بضعة سنوات كنت مع بعض الزملاء فى مؤتمر بمبنى الكونجرس الأمريكى فى واشنطن. وطال الاجتماع وشعرت بالحاجة الى زيارة الحمام. خرجت أبحث يمينا وشمالا عن ما أريد فى طرقات الكونجرس دون جدوى. واخيرا لمحت رجلا، من بعيد، فذهبت اليه لسؤاله. كان الرجل لطيفا معى وقادنى لمكان الحمام الذى كان قريبا منى ولكنه مخفيا لا يراه الا من كان على دراية بجغرافية المكان. كانت صورة الرجل مألوفة لى، فأخذت أسأل نفسى من يكون ذلك الرجل واين رأيته؟ وبعد فترة تذكرت انه السيناتور الشهير ليندزى جراهام. تدور الأيام وياتى سيناتور جراهام مع سيناتور ماكين لزيارة مصر، وان كان الرجل يعرف طريقه جيدا فى مبنى الكونجرس ولكنه يبدو انه ورفيقه قد ضلا الطريق فى شوارع مصر عن ان يصلا الى العنوان الصحيح..
وكان المعلن عن زيارة عضوى الكونجرس الأمريكى السيناتور جون ماكين وليندزى جراهام انها لتقصى الحقائق فيما يختص بانتهاكات حقوق الانسان وتفقد حال المضطهدين والمسجونين ظلما وطلب اطلاق سراحهم. كل هذه أمور رائعة تستحق منا الشكر والتقدير. ولكن المشكلة ان الضيفين العزيزين وجها اهتمامهما للفصيل الخطأ وذهبا ليبحثا عن ضحايا الاضطهاد فى العنوان الخطأ. ونحن لا نلتمس لهما العذر فى ذلك، لأنهما ليسا غريبان عن مصر، فمستر ماكين بالذات زار مصر ستة مرات منذ سقوط مبارك.
أخطأ الرجلان العنوان عندما اتجها الى رابعة العدوية وميدان النهضة للتحقيق فى المظالم التى يدعى الاخوان انها تطالهم. وكان أولى بهما ان يتفقدا حال الأقباط فى الضبعة بالأقصر او بنى أحمد بالمنيا، أو يذهبا الى ضاحية عين شمس لمواساة عائلة الطفلة جيسيكا بولس ذات العشر سنوات التى قتلها وهى خارجة من الكنيسة من ينتمى لنفس الفصيل الذى يذرف الضيفان من اجله الدموع. وكان أحرى بهما ان يتأكدا ان السلطات ستقتص لقتل جيسيكا بعد ان فشلت فى حمايتها من القتل.
الذين يعتصمون فى رابعة او النهضة لم يكونوا ضحية لأحد. لقد كانت مصر كلها ضحيتهم منذ ظهورهم على الساحة السياسية. فقبل ان يأخذوا الحكم قرروا انهم سيستولون عليه رغم انف الجميع والا سيحولوا مصر الى حمامات من الدماء. وفى الانتخابات استعملوا كل وسائل الكذب والتزوير وشراء الاصوات ليحصلوا على أصوات تمكنهم من حكم مصر. ولكن بعد تسلمهم السلطة تبين كذبهم وتزييفهم وظهرت حقيقة نواياهم التى ليس فيها اى اعتبار لصالح الوطن. واستمر انحدار البلد الى الحضيض حتى قاربت مصر الى الافلاس وكاد يصل الشعب المصرى الى المجاعة. وهنا اضطر الشعب الى التمرد والخروج فى مظاهرة غير مسبوقة فى تاريخ البشرية حيث خرج الى الشوارع والميادين ما يصل الى 33 مليون مصرى يطالبون باسقاط حكومة الاخوان. ونفذ جيش الشعب ارادة الشعب.
ولكن جماعة الاخوان لم ترضخ لارادة الشعب وقرروا الاعتصام فى اشارة رابعة العدوية وميدان النهضة. وما يحدث داخل مناطق الاعتصام هو ابعد ما يكون عن الاعتصام السلمى الشرعى. رأينا داخل هذه المناطق قادة الأخوان يستخدمون المنصة لتحريض أتباعهم على العنف والكراهية ضد الشعب المصرى ومؤسسات الدولة ويطالبوا الدول الأجنبية بالتدخل فى شئون مصر. مارس المتظاهرون كل انواع الجرائم من قتل وتعذيب وترويع المواطنين. استخدموا الاطفال والنساء لأهدافهم ضاربين عرض الحائط بحقوق الطفل والمرأة. استغلوا الفتاوى الدينية للانتقام من معارضيهم والوصول الى مآربهم. قطعوا الطريق العام وأوقفوا الحياة الطبيعية لسكان المنطقة الذين اغلقوا بيوتهم بالجنازير خشية اقتحامها فلا يستطيعوا للذهاب لأعمالهم أو شراء احتياجاتهم. واستخدم المتظاهرون مداخل العمارات للنوم والشوارع والحدائق لقضاء الحاجة. انتشرت الراوائح الكريهة والناموس والذباب وتهديد الجميع بالأوبئة والأمراض.
وفى الوقت الذى كان عضوى الكونجرس يتفقدان أحوال الاخوان فى رابعة العدوية والنهضة كان الأقباط يعانون المرار فى صعيد مصر بقرية الضبعة بالاقصر وبنى أحمد بالمنيا. كان الأقباط يتعرضون للهجمات المسلحة ضد أشخاصهم والحرق لكنائسهم وبيوتهم ومتاجرهم وسياراتهم. هذا بينما كانت قوات الشرطة تقف ضعيفة عاجزة أو متواطئة ضالعة. وعندما جاء وقت التحقيق رأينا السلطات تعود لسياسة للموازنات المعتادة حيث تم القبض على العديد من الاقباط (بينهم طفل) ضمن ما قبض عليهم من المتطرفين الاسلاميين الذين ارتكبوا الجرائم فى اشارة لنية استخدامهم للمساومة على حقوق الأقباط. وفعلا اضطر الأقباط الى قبول صلح عرفى، ضاعت معه كل حقوقهم، بل وتمت معاملتهم كأنهم كانوا هم المعتدين، وذلك كله خوفا من تجديد الحوادث الارهابية ضدهم.
وربما يشرح سبب اهتمام المسئولين الأمريكيين بالذهاب للتحقيق فى وضع الاخوان فى رابعة العدوية وميدان النهضة وعدم الذهاب لتقصى ما يحدث للاقباط فى الضبعة وبنى أحمد هو ان اقباط مصر وقيادتهم الكنسية،لم يفعلوا مثل الاخوان، فلم يستغيثوا يوما بأمريكا أو يطلبوا ان ترسل مندوبين للتحقيق فى ما يعانوه من اضطهاد. هم يفضلون الالتجاء الى مؤسسات مصر حتى وان ظلمتهم. وشعارهم ما قاله القمص سرجيوس (ردا على دعوى الانجليز انهم يحتلون مصر لحماية الأقباط) "إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية الاقباط فإنني اقول ليمت الاقباط ولتحيا مصر". قارن هذا بشعار الأخوان على لسان مرشدهم السابق مهدى عاكف الذى قال "طظ فى مصر واللى جابوا مصر".
Mounir.bishay@sbcglobal.net