بقلم شكري بسطوروس – لوس انجيلوس
لإينشتاين تعريف للغباء يقول فيه: هو أن تفعل الشىء مرتين بنفس الطريقة وتنتظر نتائج مختلفة؟
تذكرت هذا التعريف بينما كنت اتأمل احوال الوطن المؤلمة بعد ثورته العظيمة في 30 يونيو. فكلما لاحت بارقة امل، اخمدها صناع القرار في هذا البلد. شعب عظيم ونخبة بائسة. حكومة فاشلة تتكرر ما فعلة المجلس العسكري السابق بمصر بعد ثورة 25 يناير 2011.
فعجبا لحكومة لا تفهم في اي ظروف جاءت. فهي لم تعِ الظرف الذي جاء بها إلى الحكم وهو رفض غالبية الشعب المصري للاخوان جملة وتفصيلاً، فكراً وحكما في 30 يونيو. بعد تلك الثورة التي ادخلت الاخوان الجحور، اذ حكومتنا التي اصابتها فوبيا الاخوان ترفض فض اعتصامي الاخوان في رابعة العدوية وميدان النهضة لما يزيد عن 5 اسابيع للان بحجج متنوعة، مما مكن التنظيم الدولي للاخوان من تنظيم الصفوف وتصعيد الحرب بل وجعل بلطجية الاخوان واتباعهم من حثالة القوم في قاع المجتمع "يفهموا الفولة" فشرعوا في الاعتداء على المصريين خصوصا الاقباط كنوع من التصعيد ضد حكومة "حازم" الببلاوي أُم وزير داخلية ونائب رئيس وزراء للشئون الامنية.. ونعم الحزم والامن... انتبــــــاه.
عجبا لحكومتنا المرتعشة في تعاملها مع الاخوان. فبعد ان عاد الشعب وفوض الجيش لمحاربة الارهاب في 26 يوليو وتفائل المصريون خيراً، الان تسعى حكومتنا الرشيدة بأيديها واسنانها للمصالحة مع الاخوان على طريقة الفنانة نادية مصطفى "الصلح خير". فما كان من الحكومة إلا انها فتحت باب التدخل الاجنبي في مصر. فتوافد على مصر وفود من كل شكل ونوع: اوربية وامريكية بعيون خضراء وشعر احمر، وافريقية لون ليلة غبراء، وعربية كالحة كلاحة الصحراء. فهذه اشتون تقابل مرسي في محبسه. وذاك وفد افريقي يزور رابعة العدوية ليلتقي بالارهابيين البلتاجي والعريان وحجازي، وذلك وفد عربي امريكي يزور الشاطر في طرة. ما هذه المسخرة؟ هل صارت مصر دولة محتلة ام مختلة ام الاثنين؟! ما هذه الحكومة التي تسمح للاجانب بالتدخل في شئونها الداخلية من اجل خروج آمن للجماعة وقادتها ومشاركتهم في الحياة السياسية؟! ما هذا الاستخفاف بالشعب المصري!!
عجبا لحكومة ركبوا لها لجام وكمامة تجاه ما يحدث للاقباط في الصعيد وخصوصاً في المنيا، فلا تتحرك لوقف الاعتداءات او تهدد بمحاسبة المعتدين. ولا حتى اقل الايمان: إدانة لما يحدث ومواساة للضحايا على طريقة الامم المتحدة قليلة الحيلة. لقد اصيب كل وزراء الحكومة بالخرس من اول البرادعي ونازل.
ربما اكون مخطئاً.. فالارجح ان الحكومة اصيبت بحالة من الصمم، فلم يسمع أعضاؤها عن ضرب اتباع المعزول للمسيحيين بالخرطوش والرصاص ولا عن قطع الطرق يومياً في نزلة عبيد بالمنيا دون اي تحرك امني بالمرة رغم بلاغات الاهالي المتكررة للشرطة، ولا عن هجوم الاف المسلمين من 7 قرى مجاورة على اقباط قرية بني احمد الشرقية بالمنيا حيث يمثل الاقباط أغلبية بالقرية وذلك يوم السبت 5 اغسطس 2013. لماذا؟ بسبب شجار حدث بين شاب مسيحي وآخر مسلم يؤيد الرئيس المعزول على أوبرت "تسلم الأيادي" الذي يمدح الجيش المصري. فتم تجميع المهاجمين في لحظات عبر ميكروفونات المساجد! اسفر الهجوم عن اصابة العشرات بالرصاص والخرطوش وحرق وتحطيم ونهب 24 متجرا و7 منازل و9 سيارات. ولكن الحق يقال فقد ارسلت هذه المرة مديرية امن المنيا قوة رمزية لزوم التشريفة وتعظيم السلام. وقد قامت بواجبها حيث القت القبض على القبطي/ إسحاق جاب الله صاحب احد المنازل المحترقة بينما لم يتم القبض على اي من الجناة!!
يقول احد سكان القرية الاقباط/ حجاج يوسف بحسب MCN "نعتب على الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، الذي تم تفويضه من ملايين المصريين لوقف العنف ولا يزال يتركهم يروعون ويهاجمون المواطنين الأبرياء" يا عم اعتب براحتك.. ابقى تعال قابلني!
احداث مشابهة تحدث بصورة شبه يومية في قرية دلجا مركز دير مواس بالمنيا يتم فيها – عقب صلاة التراويح – الاعتداء على بيوت الأقباط مع ترديد شتائم طائفية وكتابة عبارات مهينة للأقباط علي الجدران فضلاً عن الاعتداء المتكرر على الكنائس دون اي تدخل من الشرطة او اجهزة الدولة الاخرى!!
عجباً لحكومة العجزة والفشلة التي لم تحرك ساكناً امام خطف المسيحيين والمسيحيات المنظم في جرجا بسوهاج ونجع حمادي بقنا برعاية المعتقل السابق الارهابي جابر الجهلان عضو الجماعة اسلامية بجرجا وعضو مجلس الشعب 2011 (مجلس قندهار). في الاسبوع الاول من شهر اغسطس تم اختطاف الطالب مينا سعيد ثم الاستاذ عبده نصرى 52 سنه وكيل مدرسه جرجا التجاريه بنين ثم الطبيب المسيحى صبحى ميلاد سمور أخصائى الجراحة العامة بمستشفى نجع حمادى. كل هذا، بينما وزير داخلية حكومتنا وقوات شرطته مشغولين جدا بتأمين وفود المفاوضات التي تصل إلى مصر على شرف الاخوان! هذه مجرد امثلة قليلة مما يرتكب من جرائم يومية بحق الاقباط في كل انحاء البلد.
اننا نسأل البرادعي - نائب رئيس الجمهورية – الذي هدد بالاستقالة لو تم فض اعتصام رابعة بالقوة من منطلق الحفاظ على حقوق الانسان وحرمة الدم.. لماذا تصمت صمت القبور وانت ترى وتسمع وتقرأ التقارير اليومية عن قتل الاقباط في الصعيد وخصوصاً في المنيا. اين حرمة الدم؟ إلى متى تظل "عامل ودن من طين وودن من عجين" بينما تحرق كنائس الاقباط وتعلق عليها اعلام القاعدة. لماذا لم تهدد بالاستقالة إذا لم تتوقف هذه الاعتداءات ويحاكم المعتدون؟ لماذا لم تصدر بياناً يدين او يستنكر ما يفعله الاخوان؟ ام ان الامر لا علاقة له بحقوق الانسان ولا بحرمة الدم؟
اننا نرفض الصفقات التي تتم تحت المنضدة الان ضد إرادة الشعب المصري. ونحذر من ان الشعب لن يقبلها. يجب ان يعرف الجميع ان الشعب المصري تغير وان الاقباط كجزء من هذا الشعب تغيروا ايضا. فصاروا الكتلة الحرجة للتغيير ولن يستمروا طويلاً اهدافاً سهلة للبلطجة والتعصب.
نحن – كمصريين - يمكننا ان نقبل الاخوان كافراد بل لابد ان نقبلهم كافراد فهم مواطنون مصريون لهم كافة الحقوق. اما قبولهم كتنظيم او كأيديولوجيا فهو امر مرفوض. المانيا قبلت النازيين كمواطنين ولكن رفضت تنظيمهم وصار تنظيما محظورا ليس في المانيا فقط بل وفي العالم. كيف يمكنك ادماج فريق لا يؤمن بالديمقراطية ويعتبرها كفراً داخل العملية الديمقراطية؟ كيف يمكن التفاهم مع من ينظرون للاخرين بنظرة استعلائية، فيعتبرون غيرهم اما جاهل يجب تعليمه او ضال يجب استتابته ولو بالعنف او كافر يجب محاربته؟
كيف تستطيع ان تدرج في العملية الديمقراطية القائمة على المساواة وتداول السلطة من يؤمنون بانهم وحدهم يعرفون شرع الله ويريدون ان يحكموا باسم الله؟ بل كيف لك ان تعارضهم او تنتقدهم؟! للتوضيح نذكر هذا المثال:ً اعد حسن البنا مؤسس الجماعة برنامجاً (منهاجاً) أعلنه فى المؤتمر الثالث للجماعة يقول فيه: "هذا المنهاج كله من الإسلام وكل نقص منه نقص من الإسلام ذاته." يعلق د. رفعت السعيد على هذه الكلمات قائلاً: "وبهذا فإن كل نقد لمنهاجهم أو أفعالهم هو نقد للإسلام ذاته أو بالدقة هو خروج على الإسلام."
كيف يمكن الوصول إلى حلول وسط - لب الممارسة الديمقراطية – مع من يرون انهم دائما على صواب وانهم ملاك الحقيقة المطلقة، فمثلاً يقول الارهابي سيد قطب في كتابه معالم في الطريق:" ان العالم يعيش اليوم كله في جاهلية ، والإسلام لايقبل انصاف الحلول ... فاما اسلام واما جاهلية ، وليس هنالك وضع آخر نصفه إسلام ونصفه الآخر جاهلية"؟
كيف تتم المصالحة مع من تلوثت ايديهم بالدماء او ارتكبوا جرائم خطف وحرق وغيرها مما يعاقب عليه القانون؟ كيف قبلت حكومتنا الشجاعة بالمبدأ الاخواني: "أما احكمك واما اقتلك"!! العنف عند الاخوان ايمان وعقيدة منذ نشأة الجماعة. فادبياتهم تشهد لذلك.. مثلاً: نقرأ ما كتبه الشيخ عبد الرحمن الساعاتى والد حسن البنا «استعدوا يا جنود، وليعد كل منكم سلاحه، وامضوا إلى حيث تؤمرون، وصفوا لهذه الأمة الدواء واعكفوا على إعداده فى صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيرا فأزيلوه، فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفى عيونهم عمى» (النذير- أول المحرم 1357 هـ). أما حسن البنا فقد أكد أن العنف ضرورة شرعية فيقول "وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذى تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملا ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا نظرية السيف فى الإسلام، فلم يكن السيف فى يد المسلم إلا كالمشرط فى يد الجراح لحسم الداء الاجتماعى (النذير- رمضان 1357 هـ). فهل لا تعي حكومتنا الحالية دروس التاريخ؟!
لا مصالحة دون مصارحة ومحاسبة وإلا فلن تدوم. الدعوة إلى الحوار والمصالحة ودمج من اجرموا في حق هذا الوطن في العملية السياسية اي في ادارة البلاد هي دعوة للخيانة العظمى واستهانة بآلام وامال هذا الشعب.
لماذا يصدر قانون العزل السياسي ضد قيادات الحزب الوطنى التي تبدو جرائمهم باهتة وتافهة مقارنة بما ارتكبه الاخوان بينما يسمح للاخوان بالمشاركة في حكم البلاد؟ لماذا تتم المصالحة مع مرسي بينما مبارك مازال في السجن؟ لماذا تتم المصالحة مع بديع والشاطر والعريان والبلتاجي وحجازي بكل ما ارتكبوا من جرائم بينما مازال العديد من وزراء وسياسيي نظام مبارك خلف القضبان او مطاردين على ذمة قضايا.
لا أتخيل مصالحة بين فريقين : فريق الوطن عنده هو "مصر" وفريق الوطن عنده هو الأمة الإسلامية و"طز في مصر وابو مصر" كما قال مهدي عاكف مرشد الاخوان السابق!
لا أتخيل مصالحة بين من يحلمون بتقدم وتمدن وتحضر مصر وبين من يحلمون ب "أخونة" مصر وارجاعها 1400 سنة للوراء.
لا اتخيل مصالحة بين من يريدون ان تكون مصر وطناً لكل المصريين بصرف النظر عن الدين او الثقافة او الطبقة الاجتماعية وبين من لا يؤمنون بالوطن ولا بالانتماء الوطنى ، تجار الدين ، الارهابيين، القتلة، التكفيريين، الظلاميين ،سافكي دماء الابرياء ، الذين حاربوا الجيش والشرطة و القضاء والاعلام وعملوا على هدم جميع مؤسسات الدولة.