بقلم: د. رفعت السعيد 
قال قاسم أمين كل ما عنده في كتابيه «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» وصمت، واستمر صامتا منذ عام 1900 متعرضا لهجوم عنيف لم يهتم أحد بمتابعته أو توثيقه، واستمر الهجوم علي قاسم أمين واستمر الصمت لثلاث سنوات، ثلاث فقط ثم فوجئ المصريون بمصري يفتح النار في وجه المتأسلمين لكنه فتحها هذه المرة متحصنا بدعم الكثيرين من ذوي المكانة، ومع ذلك نسي المؤرخون والباحثون هذا الرجل اسمه «علي فهمي محمد» هل يذكر أحد هذا الاسم؟
 
لا أعتقد، علي فهمي محمد قام بتعريب كتاب صغير الحجم عنوانه «مركز المرأة في الإسلام» وألحق به ملحقا أصغر حجما بعنوان «المرأة والاقتصاد» وكان علي فهمي محمد ماكرا ويعرف أنه سيتعرض للهجوم لمجرد أنه ترجم كتيبا لمفكر هندي مسلم هو «السيد الأمير علي الهندي.. قاضي الهند سابقا» ولهذا فقد حصن نفسه تماما بمساندة عديد من المفكرين التنويريين الذين كما يتضح من مساهماتهم أنهم لم يكونوا قليلين في هذا الوقت ولكنهم لم يجدوا سوي هذه الثغرة لكي يعبروا فيها عن دفاعهم عن المرأة وهكذا وعلي غلاف الطبعة العربية نجد بيتين من الشعر لإسماعيل باشا صبري يمثلان صفعة قوية للمتأسلمين.. وهما
 
يا من تزوج باثنين ألا إتئد
أوقعت نفسك ظالما في الهاوية
ما العدل بين الضرتين بممكن
لو كنت تعدل ما أخذت الثانية
 
ثم يمضي المترجم الماكر ليحصن نفسه أكثر فأهدي الكتاب «إلي صاحبة الدولة والعصمة البرنسيس نازلي هانم فاضل» ونحن نعرف دور صالون الأميرة نازلي في احتضان كثير من المفكرين المصريين والدفع بهم نحو سلوك التعليم العصري ومن ثم نحو مناصب مهمة، وفي صالون نازلي كان هناك الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول وقاسم أمين وغيرهم، ويقول المترجم في إهدائه «مولاتي الأميرة: أجمع علماء الأخلاق والسواس والمشرعون علي أن المرأة هي قوام الهيئة الاجتماعية، وعماد تقدم الأمم وتشييد الدول، وأن الأمة التي لا حياة اجتماعية لها لهي عدم في الوجود بل هي شر من ذلك العدم، وفي هذا الكتاب الذي وضعه أكبر فيلسوف إسلامي جمع بين تشريع المشرق ومعرفة الغرب ما يكفي العمل به أن ينهض بهذا العالم الإسلامي العاثر، ويعيد إليه سيرته الأولي، ذلك أن سر ذلك المجد العظيم وعلة هذا الانحطاط العقيم هي المرأة»، ثم مقدمة من «سعادة المناضل إسماعيل صبري باشا وكيل الحقانية سابقا وشيخ الشعراء» جاء فيها «قرأت ما ترجمته عن الإنكليزية لكتاب السيد الأمير علي، فأعظمت الأصل والترجمة ووجدت هذا الكتاب مشتملا علي أكثر ما يحتاج إليه المفكر في شأن أمنا وأختنا وزوجتنا وبنتنا لاسيما في الوقت الحاضر الذي فتح علي المسلمين مسائل شتي يجب عليهم ألا يغلقوها، وأن يصلوا بحلها إلي سبب من أكبر أسباب الرقي الذي ننشده الآن جريا علي سنة العصر الحاضر فعليك بنقل أمثال ذلك الكتاب إلي لغتنا العربية ليهتدي به عقلاؤنا ومفكرونا سواء السبيل» لكن الماكر «علي فهمي محمد» لم يكتف بالإهداء والمقدمة بل عرض مسودة الكتاب علي عدد من دعاة تحرير المرأة لينال تقريظهم ويثبته في نهاية الكتاب، ونال من عدد منهم دعما لكتابه وللأفكار الواردة فيه، ونبدأ بمساندة شعرية من مصطفي أفندي صادق الرافعي..
 
إن النساء هي الوجود أما يري
كل الرجال لأجلها ما يوجد
هي في القلوب وكل شيء راجع
للقلب، فهي لكل شيء مورد
أما حافظ أفندي إبراهيم فقد منح الكتاب دعمه هو الآخر..
 
قد تجلي لنا الأمير
فنتذكرنا به الإمام عليا
قام يدعو إلي الهدي بكتاب
فيه أرضي النهي وأرضي النبيا
وكتب الشاعر خليل مطران..
أن النساء إذا أُقلن فإنه
 
بنهوضهن نهوض نصف النساء
وقال حسن الغاياتي..
زعموا ديننا يعق النساء
زعموا باطلا وقالوا هراء
 
قد أراهم لو استبانوا «أمير»
و«علي» بأن فينا نساء
وقال الشاعر أحمد نسيم..
يا قاضي الهند الذي أبدي لنا
 
علماء يرد الدين للإفهام
سعدت بك امرأة عرفت مكانها
وأبنت منزلها من الإسلام
 
وتقريظ آخر من العلامة الفقيه الحكيم رئيس الحكماء محمد مهدي التبريزي يقول عن المؤلف «جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، كما أشكر همة المترجم لهذا السفر الجليل لإتحافه اللغة العربية الشريفة بهذه الهدية الثمينة»، وكذلك الأستاذ طنطاوي الجوهري المدرس بدار العلوم ومدرس الفلسفة بالجامعة المصرية يقول «إبان الكتاب جلال المرأة ورفعة قدرها بيننا فعسي الله بأن يقيض لها في مصر من ينظم مدارسها ويصلح من شأنها.. وكتب الشيخ عبدالعزيز البشري في تقريظه «إن الكتاب أبان فضل المرأة المسلمة وجليل خطرها، ولطف مكانها في حكم الإسلام»، وبمثل هؤلاء وغيرهم منح علي فهمي محمد نفسه حصانة همته في هجوم القوي المتأسلمة ولعلهم تآمروا بصمتهم فنسي التاريخ والمؤرخون الكتاب والمؤلف والمترجم.
 
ويبقي سؤال ظل يلح علي ولم يزل تري لو أعيد طبع هذا الكتاب في أيامنا الحالكة السواد هل سيتجاسر عديدون بالكتابة عنه والدفاع عن ترجمة ونشر أفكاره، هذا السؤال موجه إلي ضمير الكثيرين الذين خيم عليهم الخوف فصمتوا لعلهم ينطقون.
وكان كل ما سبق عن الحصون التي منحها علي فهمي محمد للكتاب الذي ترجمه.. فماذا عن الكتاب نفسه؟