بقلم: د. عصام عبد الله | الاربعاء ٢٤ يوليو ٢٠١٣ -
٣٤:
٠٨ ص +02:00 EET
د. عصام عبد الله
سيذكر التاريخ المعاصر أنه في الذكري 61 لثورة 23 يوليو 1952 أستعاد الجيش المصري سيطرته علي زمام الأمور في بر مصر، بعد غياب سنة واحدة " كبيسة " ومظلمة مخصبة بالدم والأحزان والأزمات حكم فيها "الإخوان المسلمون"، وثورة شعبية غير مسبوقة (35 مليون مصري) انطلقت في الشوارع والميادين في 30 يونيو 2013.
لكن التاريخ – الذي لن يرحم أحدا – سيذكر أيضا أن ما وصلت إليه الحالة المصرية من تدهور وتخلف علي كل المستويات وصولا إلي اعتلاء الفاشية الدينية الحكم عقب ثورة 25 ياير 2011 يسأل عنه "ضباط يوليو" أيضا وسياساتهم الخاطئة بدءا من ناصر والسادات وصولا لمبارك والمجلس العسكري!
وبالتالي نحن أمام مفترق طرق شديد الالتباس والغموض، وهو إما أن نجتر أخطاء " الماضي " بحذافيره عام 2013– في عصر لم تعد علامات الطريق القديم هي نفسها العلامات الإرشادية للقرن الحادي والعشرين – وبالتالي نصبح خارج التاريخ والجغرافيا أو أشبه بزائدة دودية سيتخلص العالم الجديد من اضرارها بالقوة والجراحة حتما... أو أن نستفيد من هذه الفرصة الذهبية السانحة الآن ونساهم في " تعبيد " الطريق الجديد (مع العالم المتقدم) الذي سيصل بنا إلي الألفية الثالثة في غضون سنوات قلائل.
قبل أي شئ، وأقصد هنا التوافق حول "الدستور الجديد" العصري – وليس عملية ترقيع الدستور القديم أو حذف هذه المادة أو تلك - علينا أن نضع أمام أعيننا القيم الستة الكبري للقرن الجديد في العلاقات الدولية، وهي:
• الحرية
• المساواة
• التضامن
• التسامح
• احترام الطبيعة
• تقاسم المسؤولية
لماذا؟ .. لأن مبادئ ثورة يوليو 1952 وأهدافها وشعاراتها كتبت علي عجل، ولم تأخذ وقتئذ بمنظومة القيم الدولية في منتصف القرن العشرين، ومن ثم جاءت بنتائج كارثية مدمرة ناهيك عن التخبط من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ثم التلفيق بين المتناقضات: وصولا إلي تسليم مصر (تسليم مفتاح) لأمريكا والتنظيم العالمي للإخوان والجماعات الإرهابية!
فقد أدت "عنجهية" العسكر (وجهلهم) وقلة خبرتهم إلي رفع شعارات براقة مثل "التحرر والاستقلال" بينما كانت سلوكياتهم وأهدافهم علي النقيض تماما تتجاوز قدراتهم الفعلية وحدود مصر الجغرافية ودورها التاريخي، إلي التدخل في شؤون معظم الدول العربية والإفريقية والآسيوية، وهو ما أسفر في النهاية وبدءا من " هزيمة " 1967 النكراء وحتي كتابة هذه السطور، إلي انكماش مصر داخل حدودها ثم اختراق هذه الحدود، فضلا عن أنها لم يعد لها أدني تأثير علي الدول الأخري لا في محيطها الإقليمي أو الدولي، العكس هو الصحيح، وما (اختراقات وخروقات) قطر وأثيوبيا (وغزة) وإسرائيل إلا مجرد نماذج وشواهد قريبة ليس أكثر!
أما " التحرر الوطني " فقد فهمه العسكر فهما خاطئا (وهو التحرر من الاستعمار الخارجي) مع إلغاء معظم مقومات هذا التحرر للمواطن البسيط (في الداخل) وتجفيف منابعه الأصيلة بإلغاء الديمقراطية والأحزاب وحقه في الاختيار وحريته في التفكير والتعبير والمعتقد، بل والتفرقة بين المواطنين علي أساس الولاء السياسي (والديني) بدءا من (أهل الثقة وأهل الخبرة) وانتهاء بالمسلمين (السنة والشيعة) والأقباط والبهائيين واللادينيين!
أتمني أن يكون عسكر 2013 غير عسكر 1952 .. أستوعبوا دروس الماضي جيدا – لأنني ألمح في الأفق مداهنات سخيفة ستفسد انجاز المصريين في 30 يونيو، وتتمثل في تشبيه : السيسي " ب" ناصر " .. والنفخ في المؤسسة العسكرية لتعاود ممارسة اللعبة السياسية 60 عاما أخري (قادمة)! .. نحن لا نريد : الاستبداد العسكري والفاشية الدينية معا وبالتزامن .. لقد مللنا لعبة الكراسي الموسيقية في حكم مصر طيلة 61 عاما تقلبنا فيها علي جمر شعارات القومية العربية (وإلقاء إسرائيل في البحر) والاشتراكية الممسوخة (التي غيبت كل عدالة اجتماعية) ثم الارتماء في أحضان أمريكا التي جعلتنا دولة تابعة (رخيصة) تبيع لمن يدفع!، والجماعات الدينية التي جرفت العقل والوعي والثقافة وقسمت المصريين إلي فسطاطين يصعب مد الجسور بينهما!
أهمس في أذن المصريين بما قاله " اسماعيل صدقي " في أوائل القرن العشرين ... ولم يأخذ بكلامه العسكر ، قال : "أؤثر أن اكون آخر المتقدمين على أن أكون أول المتخلفين" .. فإلي أي عالم نريد أن ننتمي، وأي منظومة من القيم الدولية؟ هل سنعاود الالتفاف علي هذه القيم من جديد بإسم : الخصوصية والدين أم سنتوافق علي دستور عصري – بكل معني الكلمة - يعلي من قيم " حقوق الإنسان العالمية " وينفض عنا غبار قرون طويلة من التخلف والظلام!
dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع