بقلم : القمص أثناسيوس چورچ
نشأت الكلية الإكليريكية في العصر الحديث، وأهتم رُوادها الأوائل بأن تكون رسالتها على مستوى العصر في مواجهة الإرساليات الطائفية في ذلك الزمان. لذلك استخدمت أساليب عصرية مناسبة في منهج التعليم والتدريس، محافظة على مضمون التقليد، وانتقلت من مهمشة إلى منطقة الأنبا رويس.. وقاد التدريس فيها باقة من أساتذة الجامعات الأكاديميين من أمثال: حبيب جرجس، يسّىَ عبدالمسيح، بقطر شحاتة، زاهر رياض، عزيز سوريال، وهيب جورجي، شاكر باسيليوس، وهيب عطاالله، أنتوني سوريال، جودت جبرة، نيافة الأنبا ديسقوروس، إميل ماهر، نيافة الأنبا بيمن، نيافة الأنبا صموئيل؛ فطوروا العمل اللاهوتي ليصير شهادة للحق غير المتغير عن المسيح في العالم الحديث؛ وبلُغة العصر.
إلتزمت بالمنهج الآبائي الكنسي لكن بروح ونهج التقليد الأكاديمي الجاد والمنظم؛ كي توفر دراسة لاهوتية بمستوى أكاديمي علمي، علمًا لاهوتيًا فعالاً يمجد الله؛ لأن اللاهوتي الحق هو الذي يصلي ويشهد لله.. فاللاهوت الحقيقي معرفة اختبار حقيقي في المسيح يسوع، تصل إلى فهم وإدراك الله، وهي قائمة على الشركة في الله حسب قانون الكنيسة؛ لأن اللاهوت ليس نظرة عابرة على التعاليم، إنما هو تذوق داخلي لأسرار الله.. لذلك اعتبرت مدرسة الإسكندرية أن دراسة اللاهوت عبارة عن روح تُنقَل ومعرفة تسلَّم؛ عبر تعليم منهجي يخاطب القلب والعقل، بإيمان واقتناع، فعمدوا الفلسفة والثقافات وجعلوها مدخلاً وأرضية وقماشة مكونة للثقافة المسيحية؛ بتزويج الإيمان للفلسفة بعد توظيفه كحُلِيّ للعقل.
لم تستخفّ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية بالأيدلوجيات المحيطة، لذلك صارت عقل المسيحية وأول كرسي للتعليم المسيحي؛ حيث أتى اليها كثيرون طلبًا للاستنارة؛ باعتبارها أفضل نظام تعليمي مسيحي قائم في ذاك الزمان؛ يقدم دراسة موسوعية شاملة، لا يفصل بين الدراسة والحياة التقوية، ويهتم بالبحث العلمي وتقديم المشورة والمناقشات؛ عبر التلمذة والعلاقة الشخصية بين المعلمين والتلاميذ.
لذلك ترى الإكليريكية أن الاجتهاد اللاهوتي هام وحيوي للكنيسة، فبدون التدقيق اللاهوتي لا تكون الكنيسة قادرة على تكميل مهامها الكرازية والرعوية، فالاجتهاد يحفظ شخصيتها وينمي مضمون إرساليتها ويدفعها للامتداد والتقدم المستمر إلى ما هو قدام.. الاجتهاد اللاهوتي يضبط ويقيِّم ويحكم استمرارية حياة مؤسسات الكنيسة قبالة التيارات والضغوطات والأيدلوجيات المحيطة؛ لإثراء رسالتها وغايتها ووعيها ووجودها على مسرح التاريخ، بالفهم والدفاع والتقييم والشرح والتجديد، فلا تستهويها الأفكار الغريبة ولا تذبل من الجمود، دائمة الشباب؛ متجددة بإكتشاف الأعماق الإيمانية والعقيدية، ومداومة ذوقها وتقديم غناها خلال المناهج الأكاديمية.