الاثنين ١٥ يوليو ٢٠١٣ -
٠٧:
٠١ م +02:00 EET
بقلم: إبرام مقار
ثورة 30 يونيو حالة ستُدرس في التاريخ لشعب ينتفض، شعب خرج قرابة نصفه في تظاهرات سلمية حضارية وصفت انها الاكثر عدداً في التاريخ الحديث، للاعتراض علي رئيس «فاشل» يريد ان يكون «ديكتاتور». شعب اسقط ثلاث رؤساء في اقل من 30 شهر لانهم اسالوا دماء عدداً منهم. شعب اتفق علي ان يتقابل في مكان معين ويوم وساعة محددة -وقد كان- وتقابل 33 مليون في الوقت والمكان والهدف. دون ان ينتظر احد منهم ليتأكد من سلمية التظاهرات، ودون ان ينتظر احداً ليري رد فعل جهاز الشرطة.
وهل ستؤيد النظام ام ستنحاز للشعب، وهل ستحدث اشتباكات مفتعله لاختراق المتظاهرين ام ستمر الاحداث دون مشاهد دموية ثم علي اثر ذلك يقرر، لم يحدث اي شئ من هذا القبيل، ولهذا استحق احترام واهتمام العالم. عظمة ثورة 30 يونيو لم تكن فقط انها الاكبر في عدد المتظاهرين وسلميتهم وتوحد كل هذه الاعداد علي هدف واحد بدون قائد، ولكن تلك الثورة كانت عظيمة في مدي الوعي لشعب يتهم نفسه - أكثر من غيره - بالجهل اكثر من غيره، شعب يتهم نفسه بالكسل اكثر ما يتهمه الاخرين، ويتهم نفسه بقبول الظلم اكثر ما يتهمه جلاديه، واثبت لنفسه قبل ان يثبت للعالم مدي وعيه، وظهر ذلك في:
الوعي الديني: وظهر ذلك حينما ادرك المصري في وقت قصير الفارق بين حملٌة الدين وبين المتاجرين به، بين صاحب الفضيلة وبين من يدعيها، ومن يستخدمون الدين طمعاً في الدنيا. ولهذا فوسط شعب يتم وصفه انه متدين يسهل خداعه بأسم الدين، نجده لا تخدعه كل هذه الألاعيب ويكشفهم .
الوعي الإعلامي: وهذا هو بيت القصيد فالاعلام قام بدور ولا اروع لنجاح تلك الثورة ولكشف جماعة الاخوان وتيارات الاسلام السياسي، وقد اصلح الاعلام المصري كل اخطاؤه وخطاياه في عهد مبارك وتفاعل مع هموم المواطن ضد الحاكم، ومع المقهور ضد القاهر، ومع الضعيف ضد القوي. وللاعلاميين مثل لميس الحديدي وابراهيم عيسي وباسم يوسف، ولرجال الاعمال امثال محمد الامين صاحب قناة «سي بي سي» وطارق عمار صاحب قناة «اون تي في» كل هؤلاء لهم ديٌن كبير علي المصريين، حينما وقفوا وقفة شجاعة لأجل حرية مجتمع بأكمله، ضد نظام فاشي مجرم يملك نائب عام «خصوصي» يمكن ان يلقي بهم في السجون.
وعي المؤسسات الدينية: فالكنيسة تجاوزت نصائح التهدئة ورفض التظاهرات العصيان المدني الي
رفض الوصاية علي الاقباط وأكدت علي ان دورها روحي فقط وليس لها اي سلطان علي ابنائها خارج اسوارها. كذلك الأزهر الذي قام بدور هام في دحض خطابات التكفير التي أطلقها شيوخ الاخوان والموالين لهم بشأن الخروج علي الحاكم او تكفير الخروج في التظاهرات .
وعي القوات المسلحة: والتي استفادت جيداً من السبعة عشر شهراً، حين حكمت المرحلة المؤقتة بعد سقوط مبارك، واصلح السيسي ما فعله طنطاوي، حين انحاز للشعب ضد الرئيس، وانحاز للداخل المصري وليس للخارج الامريكي، كذلك حينما فوت الفرصة علي المتربصين بالتأكيد علي ان القوات المسلحة لم ولن تكون طرفاً في المعادلة السياسية، وان دورها سيكون مثل اي دور للاجهزة العسكرية في الدول الديمقراطية.
ولكن ،، علي قدر عظمة تلك الثورة وكل المشاركين بها من من شعب وجيش وشرطة وقضاء وازهر وكنيسة، وعلي قدر اللحظات السعيدة التي عشناها في اعقاب بيان السيسي ونحن نري مصر الجديدة المدنية تقترب، علي قدر عظم المخاوف مما نراه منذ ذلك البيان وحتي الان من اداء للسلطة المؤقتة. وان كنا لا نستطيع الحكم بعد لكن تبقي هناك مخاوف حقيقية جراء التخبط الذي نراه علي مدي الاسبوع الاول لرئاسة المستشار «عدلي منصور» والتي تعكس قصور في فهم الثورة واهدافها وجدواها. فمواد الاعلان الدستوري التي تم اضافتها الخاصة بالدولة الدينية والمواد التي تم حذفها والخاصة بحظر الاحزاب الدينية جاءت لمغازلة حزب «النور» السلفي وهو الحزب الديني الوحيد علي طاولة المفاوضات.
كذلك التراجع عن تعيين البرادعي رئيساً للوزراء وتعيين حازم الببلاوي الذي قارب الثمانين من عمره جاء ايضاً ارضاءً لحزب النور السلفي. ناهيك عن موقف السلطة المؤقتة من مذبحة الاقباط في قرية «الضبعية» بمحافظة الاقصر حين تم قتل اربعة اقباط احدهم تم قتله عن طريق ربطه بأحجار والقاؤه في النيل، بالاضافة الي حرق منازل ومحلات يملكها اقباط بل وحصارهم داخل كنيسة القرية دون ان يتحرك ساكناً لأحد، تماماً مثلما كان يفعل المخلوعين مبارك ومرسي. واخيراً الرد علي جماعة تدعو للعف ضد المصريين، وتتحدث عن اغتيالات لقيادات عسكرية وعن الاستعانة بارهابيين من الخارج ضد معارضيهم في الداخل، جماعة يتكلم قادتها علي الملأ انهم خلف عمليات قتل في سيناء ومطروح والصعيد، جماعة ثار عليها المصريين واسقطوها، لنجد السلطة الحالية تتحدث عنهم بانهم فصيل وطني يجب احتوائه .
نشعر بالقلق حينما نري نفس مشهد 12 فبراير فهناك حزب ديني له خطة لاتباعه فقط يملي شروطه علي الاخرين مقابل سلطة مؤقتة ضعيفة مرتعشه خائفة تلبي طلباته. هناك ثورة يقوم بها «شباب» ليقضي عليها «عواجيز» لا يعرفون فكر الثورة علي الاطلاق. المخاوف تبدأ نري ثورة يقوم بها شجعان ويحصدها الانتهازيين. نريد ثورة تضي لنا الطريق لا ثورة تحرقنا .. لو لم نستفيد من اخطاء الماضي، لو كرر «عدلي» ما فعله «طنطاوي» وكرر «النور» ما فعله «الاخوان» .. فالي اللقاء مع معاناة جديدة وموجة ثالثة من الثورة .