بقلم منير بشاى
لماذا ما نشاهده من موقف أمريكا، ممثلا فى ادارة الرئيس أوباما الموالى والمؤيد لحكومة د. مرسى، والمناهض أو الفاتر تجاه ثورة 30 يونيو؟ هل أمريكا فعلا واقعة فى غرام أبو الأمراس لسواد عيونه؟ أم ان هناك اسبابا أخرى، معلنة أو خفية، لهذ الود الغريب؟
منذ ان اعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسى عن اعطائه حكومة الدكتور مرسى مهلة لتلبية مطالب الملايين من الشعب المصرى، والا اضطر للتدخل، دقت صفارات الانذار فى عواصم العالم الغربى وخاصة الولايات المتحدة. وعندما قام الجيش فعلا بتنفيذ انذاره وسحب السلطة من مرسى وجماعته قامت القيامة فى أمريكا، وصدرت البيانات التى تشجب وتهدد، ثم تغيرت اللهجة الى تفهم بحذر، واخيرا وصلت الأمور الى قبول الأمر الواقع ولكن على مضض.
وكان التصريح المبدأى من الرئيس أوباما قد قال "تتابع الولايات المتحدة الموقف فى مصر وانه فى النهاية من حق الشعب المصرى وحده ان يقرر مستقبله. ومع ذلك فنحن قلقون من قرار القوات المسلحة عزل الرئيس مرسى ووقف العمل بالدستور”. أما جون ماكين فكان أكثر صراحة فطالب "بتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر لحين تقديم جدول زمنى لاجراء الانتخابات واقرار دستور جديد" ولكن الى جانب هذا الموقف المتعاطف مع الأخوان كانت هناك أصوات تفند مزاعمهم فردا على شرعية الصندوق أصدر عضوان بارزين للكونجرس وهما رويس رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب (جمهورى) واليوت عضو المجلس (ديمقراطى)- أصدرا بيانا قالا فيه " ما لم تفهمه جماعة الأخوان ان الديمقراطية تعنى أكثر من مجرد الأصوات الانتخابية".
ثم عاد البيت الأبيض واصدرا بيانا كررفيه دعوته للجيش المصرى عدم استهداف مجموعة سياسية بعينها مدينا فى نفس الوقت دعوات العنف الصادرة عن جماعة الاخوان المسلمين. وكان أهم تطور فى الأمر هو استبعاد الوقف الفورى للمعونة العسكرية لأنه حسب قول جاى كارنى الناطق باسم البيت الأبيض " لا يصب فى صالح الولايات المتحدة". وهذا اكده خبر عاجل نشر يوم 8 يوليو 2013 عن قناة العربية ان البيت الأبيض صرح ان "مرسى حكم بطريقة غير ديمقراطية وليس من مصلحتنا قطع المساعدات عن مصر فى هذا الوقت".
فما هو تفسير تفضيل أمريكا نظام مرسى وتخوفهم مما سيحدث بعد عزله؟
أولا: فى صميم المشكلة وجود قانون أمريكى يحرم منح معونة لأى نظام جاء للسلطة عن طريق انقلاب عسكرى ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا. وعلى ذلك كان هناك جدل فيما اذا كان ما حدث فى مصر انقلابا ام ثورة. ومع ان الرئيس أوباما لم يذكر صراحة ان ما حدث فى مصر كان انقلابا عسكريا ولكنه أشار الى ذلك بطريقة غير مباشرة عندما حول الأمر الى الادارات القانونية المختصة لابداء الرأى فيما اذا كان ما حدث فى مصر يؤثر على مستقبل تلقى مصر للمعونة الأمريكية. وفى نفس السياق كانت مطالبة جون ماكين حاسمة وهى قطع الاعانة مع انه فى تصريحه انتقد مرسى لتوجهاته الديكتاتورية التى تسببت فى قيام المظاهرات ضده.
ثانيا: كان هناك انزعاج على مستقبل الديمقراطية الوليدة فى مصر. وهذا تكرر ذكره فى بيانات العديد من الدول الغربية وتسبب فى شجب الغرب لما اسموه محاولة الانقلاب العسكرى على نظام جاء الى السلطة عن طريق الانتخاب الحر. هذا وان كان هذا التوصيف قد تغير بعد ان هدأت العاصفة قليلا وتبين لهم حقيقة ما جرى فى مصر.
ثالثا: وكنتيجة للنقطة السابقة صار هناك ذعر من احتمال بدء مرحلة عنف تهدد مصالحهم. مصر بالنسبة للغرب عامة وأمريكا خاصة دولة محورية من حيث قوتها العسكرية ودورها القيادى فى العالم العربى وموقعها الاستراتيجى وحوزتها على قناة السويس التى هى شريان الحياة للغرب. كما ان استقرار مصر مهم عند الغرب لاعتبارات الأمن الدولى والاقتصاد العالمى.
رابعا: كان هناك احساس بالخسارة لضياع مرسى الذى أعطاهم اكثر مما حلموا به. كان مرسى يقيم علاقات صداقة مع أمريكا واسرائيل يكسب بها حظوة خاصة عندهم مهما كان الثمن. فهو الذى نجح فى ايقاف الصواريخ التى تطلقها حماس ضد اسرائيل، وهو الذى وافق على وضع جهاز انذار على حدود مصر لصالح اسرائيل، وهو الذى ضمن معاهدة كامب دافيد دون قيد أو شرط. ولا ننسى خطابه الودود لبيريز رئيس اسراائيل، الذى حمله السفير المصرى معه لاسرائيل.
خامسا: يبدو ان ابعاد الاخوان عن حكم مصر قد أحبط خطة أمريكا فى استخدام الاسلاميين للتأثير على زملائهم فى القاعدة بعدم ارتكاب اعمال عنف ضد أمريكا. بدلاً من هذا قد يحدث الآن اتفاقا بين الطرفين للانتقام من أمريكا التى أخلت بهم ولم تساندهم بقوة كما كانوا يتوقعون.
مهما كان الأمر فالحقيقة التى لا مجال فيها للشك ان أمريكا كراعية للديمقراطية لا تستطيع ان تغفل رأى الشعوب حتى ولو كان هذا لا يتمشى مع مصالحها الاستراتيجية. ولذلك فان نقد أمريكا كله موجه لتدخل الجيش وليس لثورة ملايين المصريين. وربما ان امريكا لا تفهم انه من الناحية العملية لا يمكن للمظاهرات وحدها اسقاط حكم مرسى ، وان تدخل الجيش كان لتلبية مطالب الشعب. وتسليم السلطة لمدنيين بعد عزل مرسى كان دليلا اضافيا ضد دعوى الانقلاب العسكرى.
وفى النهاية لن يفلح تلويح أمريكا بقطع المعونة عن مصر فى تغيير مواقفها فابناء مصر واصدقاؤها قادرون على تعويض مصر اضعاف هذه المعونة. ولكن أمريكا لا تستطيع ان تستغنى عن مصر فمصر دولة هامة بالنسبة لهم، والمعونة الأمريكية العسكرية التى تبلغ 1.3 مليار دولار هى اساسا لخدمة مصالح أمريكا اكثر من خدمة مصالح مصر. ووقفها سيعاقب أمريكا قبل مصر.
Mounir.bishay@sbcglobal.net