بقلم: عـادل عطيـة
جاء رجل إلى الحكيم سقراط وهو يلهث، وقد بدا عليه اضطراب كلي، وقال: "أصغ إليّ، ياسقراط، فلدي ما أقوله لك. فإن صديقك.."
وهنا قاطعه سقراط، قائلاً: "انتظر... هل تريد أن تقوله لي بالمصافي الثلاث؟!".
فاستدرك الرجل وتساءل في دهشة: "ثلاث مصاف؟".
فأجاب سقراط: "نعم، يا صديق.. ثلاث مصاف!.. فلنر إذا كان ذلك الذي تريد أن تقوله سوف يمر من المصافي الثلاث!
المصفاة الأولى، هي: "الحقيقة".. هل تفحصت ما إذا كان ذلك الذي تريد قوله لي حقيقة؟!".
فقال الرجل: "لا، فقد سمعته وحسب، و..."
وهنا استمهله سقراط، قائلاً: "ولكن لا ريب أنك قد تفحصته بالمصفاة الثانية ألا وهي نوعية القول! هل هذا الذي تريد قوله، إن لم يكن حقاً، فهل هو فعلاً ذو قيمة؟!".
فتردد الرجل قبل أن يقول: "لا، بل على العكس.."
وهنا استوقفه الحكيم من جديد، قائلاً: "إذن، فلنستعمل المصفاة الثالثة، ونسأل: "هل من الضروري أن تقول لي ذلك الذي يزعجك؟!".
فقال الرجل: "ضروري..ليس كلية!"..
فقال سقراط: "إذا كان ما تريد أن تقوله لي ليس بحقيقة، وليس بذي قيمة، وليس بضروري... فلنودعه التراب، ولا تضايق نفسك وتضايقني به!".
*** *** ***
ألا يُخجل هذا الحكيم الوثني، الذي قيل عنه: "أنه أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض"، كل من يتشدق بأنه يؤمن بالله، وبرسله، وبكتبه...؟!.
ألا تخُجل تعاليمه الاخلاقية السامية، هؤلاء الذين انفتحوا بصدق مطلق على الاشاعات، وجعلوا عقلهم في أذنيهم؟!..
وألا تردع حكمة: "المصافي الثلاث"، هؤلاء المرجفون مشيعو الكذب الباطل، والذين يضعون الكذب الصافي في أفواه أتباعهم، حتى أنهم باسم الله يجعلون الناس تنهار وترتبك، إذ أنهم، وبسببهم، لا يعرفون ما هو حقيقي لكي يتمسكوا به، وما هو غير حقيقي ليتخلوا عنه، وهكذا فإن الكثيرين يتوقفون عن البحث عن الحقيقة؟!..
أن هؤلاء الذين يمخضون بالاثم، ويلدون كذباً، ويطلقونه بدناءة إلى نهاية الطريق المدمر للوطن، لا يعرفون أن كل ما يقولونه في الظلمة، يُسمع في النور، وما يكلمون به الاذن في الهمس، يصبح صراخ الفضيحة!
أن هؤلاء الذين يجوبون في الظلام، وبعيدون عن الله، وقد هزّتهم الثورة الشعبية المقدسة ضد تعسفهم، وأفسادهم الروحي.. لا يدركون أننا ندرك بأن محاولاتهم هذه، ما هي إلا حرب العدو المهزوم البائس، والانتفاضة الأخيرة للحية قبل موتها!...