بقلم : أنطوني ولسن / أستراليا
في يوم الأربعاء 26 يونيو تجمع المصريون حول أجهزة التلفزيون لمشاهدة والأستماع إلى الرئيس محمد مرسي وهو يلقي بخطابه الهام الذي سيقدمه إلى الشعب المصري قبل يوم الأحد 30 يونيو ، اليوم الذي ستقول فيه الغالبية العظمى منه في جميع ربوع الوطن كلمتها الفاصلة بالنسبة لأستمرار الرئيس في الحكم أو الأبتعاد عن الحكم لحين إنتخابات رئاسية جديدة بعد فترة زمنية يتم فيها وضع أمور الوطن في نصابها لتكون الأنتخابات نزيهة وحرة ولا تدخلات من الخارج أو من فصيل بعينه .
خطاب الرئيس مرسي كان متوقعا له أن يكون صادما لأمال المصريين الذين تمنوا عليه أن يقبل بمطالب الشعب الراغبة في إجراء إنتخابات رئاسية جديدة .
إستمر الرئيس في إلقاء خطابه الذي إستغرق ما يقرب من ساعتين وأربعين دقيقة ولم يجد فيه المصريون ما يعطي الأمل لهم إن كان بقبول الأنتخابات الرئاسية ويتنازل عن الحكم . أو أن يكون صريحا مع الشعب ويقول لهم سامحوني لم أكن طوال العام الذي توليت فيه سدة الحكم ملكاً لنفسي بل كنت أتلقى التعليمات من رؤسائي في المقطم . ومن الطبيعي لم أملك حرية العمل .
في هذه الحالة من الوضوح والصراحة والشجاعة في مواجهة الأمور ، كانت نظرت الشعب بدون شك ستتغير وخاصة لو أنه أضاف إلى صراحته في خطابه ما يريد تحقيقه لصالح الشعب المصري الذي هو صاحب السلطات وليس من يقطنون في المقطم . لكنه إستمر في خداع المصريين بحديث ممل حاول فيه أن يتفاعل مع من حضر بالجسد أو من إستمع إليه خلال التلفزيون والقنوات الفضائية والمواقع الألكترونية التي بثت المشهد وهو يخطب مباشرة .
الغريب في الرئيس مرسي لا يخجل من نفسه عندما يشير في خطابه ويتقدم بالشكر إلى الدكتور عادل أسعد أحمد الخياط ، صاحب مذبحة السياح بالأقصر عام 1997 ، وصاحب فتوى تغطية الأثار ، وعضو حزب البناء والتنمية . لأن الرئيس مرسي الذي فاجأ الشعب المصري بتغيرات للمحافظين وإحلال محافظين من فصيل الأخوان أو الموالين لهم ومصر على أبواب ثورة سلمية عارمة . هذا من ناحية التغيرات التي تمت في عدد كبير من المحافظات في جنوب مصر وشمالها . أما عن الدكتور عادل أسعد أحمد الخياط فكان على سيادة الرئيس أن يعي جيدا قبل تعينه محافظا لمحافظة الأقصر أنه في عام 1997 حدثت مذبحة مروعة راح ضحيتها عدد كبير من السياح الأجانب وبطريقة وحشية غير آدمية فلا يعينه هناك . أما إذا كان سيادته لا يعي ذلك فالمصيبة أعظم .
تحدث سيادته في خطابه المخيب للأمال عن الديون التي تركها الرؤساء السابقين متجاهلا الصعاب التي واجهت كل منهم خاصة الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات وقد تراكمت الديون نتيجة الحروب والمواجهات التي واجهت الشعب المصري . أما عن الرئيس مبارك لا أحد ينكر وجود فساد في الرئاسة والحكومة فضلت نفسها على الشعب . ولم يتحدث سيادته عن ديون مصر بعد عام من توليه سدة الحكم التي أوصلت مصر إلى قاب قوسين أو أدني إلى الأفلاس التام .
نترك الرئيس مرسي وخطابه ونذهب إلى يوم 30 يونيو وما بعده وما قيل عنه من قبل خطاب الرئيس من الشرطة والقوات المسلحة المصرية .
ما قبل 30 يونيو وقبل خطاب الرئيس نجد رفض الأخوان لحملة تمرد وما يمكن أن تسببه لهم من مشاكل في ذلك اليوم وما بعده فكانت لهم حملة تجرد والمنافسة لحملة تمرد التي نخشى أن تحتدم في هذا اليوم وما بعده . بل أن الأخوان دعت إلى مليونية لا " للعنف " ويفاجأ الشعب والعالم أن ما قيل في تلك المليونية ما هو إلا دعم وتشجيع للعنف . وهنا يجب على الرئاسة أن تبتعد عن دعم وتشجيع الجماعات الأسلامية الموالية لهم ، وأن لا تنسى مسئوليتها تجاه الشعب المصري بجميع طوائفه ومذاهبه وإتجاهاته والتي فشلوا فيها طوال فترة تواجدهم وتحملهم مسؤلية حكم مصر فلينتبهوا إلى ذلك ولا يكرروه في الأيام المقبلة ومنع إن كان من جانب حملة تجرد أو الجماعات الأسلامية من إستخدام العنف لأن دم المصريين ثمين وغال . فلا تسمحوا بإهانة مصر في أولادها .
غضب الشرطة من تصرفات الرئاسة والحكومة تجاه رجال الشرطة والمحاولات المستمرة لأهانتهم وتقليم أظافر كل من لا يستمع لهم وما حدث من تفضيل فصيل غير مصري على ضباط الشرطة المخطوفين والذين لا يعلم أحد عنهم شيئا . هل هم أحياء أو قتلوا ؟ إن كانوا أحياء لماذا لا تعمل الرئاسة على عودتهم ؟ وإذا كانوا قد أستشهدوا على أيدي قتلة وسفاحين !!.. فيجب إعادة جثامينهم لزويهم لدفنهم والترحم عليهم . وقد زاد من غضب رجال الشرطة الشرفاء إغتيال زميل لهم في سيناء الشهيد أبو شقرة .
لذا إتخذت الشرطة قرارا حاسما ووطنيا وهو عدم حماية مركز الأرشاد أو أي مراكز أخرى تابعة لهم مثل مقار جماعة الأخوان المسلمين . وأعلنوا أنه إذا وافق أي من ضباط الشرطة على التأمين سيمنعونهم بالقوة .
بدأنا نرى على شاشات التلفزة تحرك القوات المسلحة على مستوى الجمهورية بالمدرعات والعربات المصفحة لحماية الشعب وتظاهراته السلمية تحسبا لما قد يحدث و المنشئات الهامة في مصر . نشكر قادة الجيش وضباطه وجنوده على حرصهم الوطني بحماية الشعب المصري ومنشئاته الهامة والحيوية . وهذا ليس بالغريب على جيش مصر الباسل .
أبكتني وأحزنتني بكاء أم فقدت إبنها مع زملاءه من ضباط وجنود بلغ عددهم 16 شهيدا عندما أعادت إحدى القنوات التلفزيونية منذ أيام قليلة مضت المشهد وهي تقول :
" ودعتك وودعت الدنيا من بعدك يا ولدي " .
فهل بعد هذا الحزن حزنا ؟ شهداء أُغتيلوا في رفح وهم يتناولون طعام الأفطار في شهر رمضان من العام الماضي ، والرئيس والحكومة ولا أي من المسئولين خرج على عا ئلات الشهداء ليخفف عليهم أحزانهم ويطمئنهم على أن دم أبناءهم وإخوتهم وأزواجهم لم يذهب هدرا بل تم القصاص لهم من مغتاليهم عديمي الضمير وأعداء مصر بالقبض عليهم وإيداعهم السجون لحين محاكمتهم . فهل في خروج الشعب المصري في 30 يونيو مطالبا برحيل الرئيس وحكومته ومجلس الشورى ما يعيب الشعب المصري المناهض لحكم الأخوان وأزلامهم الذين أوصلوا مصر إلى هذا المستنقع الذي وصلت إليه حال البلاد ؟؟!!.
حدث في مصر الفرعونية التي تصفونها بالكفر وتصفون فرعون مصر بالمتفرعن أن ملك مصر فرعون العظيم وليس المتفرعن الملك أخيناتون ملك وإمبراطور أكبر إمبراطورية في ذلك الزمان أنه بدأ يبحث عن معرفة الله . أخذ يتأمل كل ما حوله على الأرض وفي السماء . رأي في القمر والشمس والكائنات التي تعيش على الأرض لابد وأن يكون لهم خالق قدير إستطاع خلق هذا الكون بكل ما عليه وحوله
تطور فكره في البحث عن الله ووصل إلى إيمان قاطع لا يقبل الشك وهو أن الله أقوى من القمر والشمس اللذان وحدهما الفراعنة في عبادة واحدة سميت بأمون رع . لم يكتفي بذلك لكنه بدأ يفكر في عبادته فبنى معبد الكرنك بأعمدة شاهقة بدون سقف لتصل صلاته مباشرة دون أي حاجز بينه وبين الله خالق الكون .
ترك الأمبراطورية العظيمة ولم يهتم بشئونها . فبدأت الأذناب في إنتهاز الفرصة وإعلان العصيان على الأمبراطور . مما إستفز رئيس الجند الذي فشل في إقناع الملك القيام بردع المنشقين لكنه فشل .
تشاور مع طبيب الملك وطلب منه إخطار الملك بضرورة التضحية من أجل مصر . فعل الطبيب ذلك وأخبر الملك بطلب رئيس الجند . بعد صمت لم يطل بينهما تساءل الملك عن الطريقة التي يمكنه التضحية بها من أجل مصر . جاءت إجابة الطبيب للملك صادمة فقد أخبره بالموت . سادت فترة صمت ثانية بينهما قطعه الملك بسؤال عن الطريقة التي سيموت بها . فجاءت إجابة الطبيب بالسم يا مولاي . فترة صمت ثالثة ثم سأل الملك طبيبه .. هل سأعاني ألما شديدا بعد تجرعي السم ؟. فرد الطبيب عليه .. لا يا مولاي وأعدك بذلك .
مصر اليوم ما أشبهها بمصر أيام الفرعون العظيم أخيناتون مع فارق كبير . فرعون مصر أهمل مصر طمعا في رضى الله عنه ومع ذلك قبل الموت من أجل أن تعيش مصر وتعود لها هيبتها . أما فرعون مصر الحالي فأنه حكم مصر بأسم الدين وأهملها ليس من أجل الدين ، بل ليحقق حلم جماعته في التمكين لجميع مفاصل مصر ومؤسساتها لأخونتها . وإنقسمت مصر في الداخل بين أتباع الأخوان والمعارضين وبدأ إنهيار مصر الحضارة والحرية وأصبح الوضع ينذر بحرب أهلية
لكن الشعب المصري أصر على إعادة مصر إلى طريقها الصحيح والتمرد على حكم الرئيس مرسي وجماعته وإقصاءهم عن الحكم .
مع شديد الأسف اليوم الجمعة 27 يونيو وقبل اليوم المحدد 30 يونيو شاهدنا على شاشات التلفزة ما يجري على أرض الواقع وتبادل إطلاق النار سقط إثنان من الشباب في كل من الزقازيق والمنصورة ولم يتم معرفة من أطلق النار ، وقد أصيبت أعداد كبيرة من المواطنين المشاركين في التظاهرات . فهل يستجيب الرئيس مرسي وجماعته لنداءات الشعب والأبتعاد عن ساحة الحكم للغير بعد أن وضحت رؤيتكم للحكم البعيدة كل البعد عن مصر والشعب المصري ؟؟!!.
يحتضر الزعيم نيلسون مانديلا بعد عمر جاوز التسعين ندعو الله أن يساعده في تجرع هذا الكأس الذي يتجرعه كل كائن حي على الأرض .
الزعيم نيلسون مانديلا سجن 27 سنة على يد الأنجليز في جنوب إفريقيا ولم يحيد عن هدفه الذي طالب فيه بإستقلال البلاد . تم لشعبه ما أراد وخرج وتولى الرئاسة ولم يعاير وطنه بتضحيته وسجنه تلك المدة لكنه تحمل كل ذلك من أجل تحريروطنه . على عكس من ذلك ما فعلته جماعة الأخوان من الحديث عن سجنهم وتعذيبهم طوال فترة تواجدهم على أرض مصر . لم يكن جهادهم من أجل تحرير مصر ، بل كان من أجل إحتلال مصر وإخضاعها لحكمهم الرامي إلى قيام الخلافة الأسلامية ولا تعنيهم مصر أو الشعب المصري ولا غير مصر .
لذا أتمنى على سيادة الرئيس أن يستجيب لمطالب الغالبية من الشعب المصري والتنحي عن الحكم حقنا لدماء المصريين .